تجمع الاوساط اللبنانية الرسمية على القول ان مطالبة اسرائيل بتعديل "تفاهم نيسان" أبريل ترمز الى مطلبها الدائم وقف عمليات المقاومة ضد جنودها المحتلين في جنوبلبنان، وأن هذا هو الهدف الرئيسي الذي يرمي اليه رئيس وزرائها ايهود باراك من خلال الضربة الجوية التي نفذها على محطات الكهرباء الثلاث. ويتعاطى كبار المسؤولين اللبنانيين وقادة "حزب الله" مع المطلب الذي ترفعه اسرائيل بوقف صواريخ الكاتيوشا على شمال اسرائيل، على انه ليس المطلب الاساسي، بل ان هدفه الايحاء بتحقيق انتصار بديل من مطلب وقف المقاومة عملياتها، في حال عجزت عن الضغط على سورية ولبنان لوقفها. وكان وزير الخارجية الاسرائيلية ديفيد ليفي ادلى بتصريح بدا مستغرباً، بلهجته التصعيدية، حين هدد بحرق لبنان اذا سقطت صواريخ كاتيوشا على شمال اسرائيل. واضطر رئيس الحكومة الدكتور سليم الحص الى الرد عليه بالقول "ان ما سمعناه من تهديد ووعيد ليس جديداً، فهو جزء من الارهاب الاسرائيلي الذي يتعرض له لبنان بدءاً بالاحتلال وانتهاءً بالقصف والقتل. وهو ليفي في تهديداته هذه إنما يذكّرنا بذهنية الإبادة التي تميّزت بها النازية زمن هتلر". واعتبر "ان الحل، بكل بساطة، يكمن في إنهاء الإحتلال الإسرائيلي، تلك هي البداية، اما المقاومة فهي النتيجة للإحتلال والقصف الإسرائيليين لا العكس. والإسرائيليون هم من يحتل ارضنا لا العكس، فالكرة اذاً في الملعب الاسرائيلي، والحل يبدأ بالعودة الى التزام تفاهم نيسان وصولاً الى تنفيذ القرار الرقم 425". وأبلغ معاون الامين العام ل"حزب الله" الحاج حسين الخليل الى "الحياة" انه حين قرأ تصريح ليفي "شعر بأن الاسرائيليين اخذوا يتراجعون عن حملتهم العسكرية التي بدأوها ليل الاثنين الماضي، لأن ليفي افتعل عنوان الكاتيوشا في وقت ليس هناك كاتيوشا، ليوهم الرأي العام بأن العمل العسكري الذي قامت به اسرائيل نجح في الحؤول دون سقوط هذه الصواريخ، في وقت لم نتخذ قراراً بإطلاقها، وفي وقت كان المطلب الاسرائيلي الفعلي والحقيقي هو وقف العمليات والتغيير في معادلة تفاهم نيسان". ورد على التساؤلات عن سبب عدم اطلاق الكاتيوشا رداً على ضرب اسرائيل المنشآت المدنية محطات الكهرباء بالقول: ان "اسرائيل اطلقت نيرانها على لبنان لتحقيق هدف آخر لا يتعلق بالكاتيوشا. وهذا ما برهنته مواقف المسؤولين فيها منذ الاثنين، حين اعلنوا عدم التزامهم تفاهم نيسان، ثم حين تحدثوا عن تعديله. الهدف كان وقف العمليات لا وقف الكاتيوشا. ونحن احبطنا مطلب الغاء تفاهم نيسان، ووقف العمليات عبر التزامه وعبر الرد على القصف بعملية الدبشة الثلثاء التي ادت الى مقتل جندي اسرائيلي، وهي كانت اهم من قصف صواريخ الكاتيوشا". وتابع "فضلاً عن ذلك بات سلاح الكاتيوشا في يدنا سلاحين: الاول امكان اطلاق هذه الصواريخ اذا ارتأينا حاجة الى ذلك والثاني نزول الاسرائيليين في شمال اسرائيل الى الملاجئ واختبائهم واصابتهم والمسؤولين بالرعب، من دون ان نطلق هذه الصواريخ". واعتبر ان باراك خرج مربكاً وخاسراً من المواجهة التي حصلت للأسباب الآتية: 1 - ان الزخم الذي اعطاه للقيادة العسكرية بالقيام بعمليتها تراجع فور الضربة الاولى. فهو كان يحتسب امكان مواصلة هذه العمليات على اساس ان "حزب الله" سيطلق صواريخ الكاتيوشا، فجاء ردنا بقتل جندي اسرائيلي، ولم تستطع اسرائيل مواصلة خطتها العسكرية لأن قتله ليس خرقاً لتفاهم نيسان، وأصاب هذا الأمر القيادة العسكرية الإسرائيلية بالإحباط. 2 - ان الاعلام الاسرائيلي اخذ يتساءل ما هي جدوى العملية العسكرية اذا كان 300 ألف مستوطن اسرائيلي انزلوا الى الملاجئ فيما أهل النبطية وباقي المناطق في الشوارع يمارسون حياتهم العادية؟ 3 - ان الجانب الاسرائيلي تراجع عن مطلبه تعديل تفاهم نيسان وعاد فاعترف به كما هو حين قدم شكوى عن عملية الدبشة الى لجنة مراقبة تفاهم نيسان وقبل بحضور اجتماعها. بل انه سرّب انه اذا كان من امكان للبحث في تعديل التفاهم، فلن يكون ذلك من خلال ممثلي الاطراف في لجنة المراقبة، بل في مفاوضات تتم في شكل جانبي وعلى مستوى ديبلوماسي او سياسي. ولهذه الاسباب بات وضع الجانب الاسرائيلي الداخلي، اسوأ مما كان عليه قبل الضربة التي نفذها باراك، بعد قتل عقل هاشم وستة جنود اسرائيليين ما سبّب هذا الإرتباك الإسرائيلي الداخلي الذي ادخل باراك في مأزق جديد مضاعف بعد قصفه محطات الكهرباء. فهذا القصف لم يوقف قتل الجنود الاسرائيليين. ورداً على سؤال ل"الحياة" هل يلجأ الجانب الاسرائيلي الى تعجيل انسحابه من جنوبلبنان، قبل تموز يوليو المقبل، قال "حتى الآن الاسرائيلي يتحدث عن الانسحاب، لكنه لا يلتزم ان يتم هذا الانسحاب من دون شروط، ويمكننا ان نتوقع، على الاقل، ان يلجأ الى عملية اعادة انتشار وسياسة جديدة في توزيع جنوده، في محاولة منه كي يوفر على نفسه المزيد من الخسائر التي تلحقها المقاومة بهم تحت سقف تفاهم نيسان". وختم ان الجانب الأميركي "أعطى ضوءاً أخضر لإسرائيل كي تقوم بالعملية العسكرية ضد لبنان نظراً الى إدراكه الوجع الذي اصاب اسرائيل من جراء نجاح عمليات المقاومة ضد جنودها". واعتبر "ان واشنطن تريد توظيف هذه الضربة في سياق الضغط على سورية في المفاوضات ومن اجل السعي الى وقف المقاومة عملياتها في الشريط المحتل، لكن الإدارة الأميركية لا تستطيع ان تترك الأمر يذهب الى ابعد من ذلك لأنه يؤدي الى وقف المفاوضات كلياً على المسار السوري ويجعل الوضع قابلاً للإنفجار اكثر في لبنان، وهي تدرك ايضاً أن ليس في استطاعة سورية إلاّ أن تواجه الضغوط عليها لوقف العمليات أو تخفيفها فهم سبق أن طرحوا الأمر مع سورية عند بدء المفاوضات وقبلها ولم تتجاوب معهم بل رفضت".