كانت دافوس ملتقى للعولمة الظافرة، السعيدة، الواثقة بحتميتها. غير أنها أصبحت ملتقى لعولمة ظافرة انما قلقة وتطرح على نفسها أسئلة كثيرة. ظهر التصدّع الأول بعد الأزمة المالية الآسيوية وامتداداتها العالمية، لكنه تحول الى ثغرة مفتوحة بعد فشل اجتماع سياتل. عندما عقدت منظمة التجارة العالمية اجتماعها الأخير في المدينة الأميركية كان الانقسام حاداً: دعاة الليبرالية القصوى يضغطون داخل القاعات من دون تأنيب ضمير، والإئتلاف المعادي لهم يحتل الشوارع ساعياً الى اسماع صوته. لكن الجديد في لقاءات المنتدى الاقتصادي العالمي، هذه المرة، ان القلق دخل الغرف المغلقة. وهذه نماذج. رئيس منظمة التجارة العالمية مايك مور اعتبر أن منظمته متهمة بالمسؤولية عن كل خطأ وأن العولمة باتت محط كراهية. واعترف بأن "النخبة العالمية لا تملك أجوبة كافية" نخبة لم يخترها أحد ولا شيء غير الثروة يحدد الانتماء اليها. وأقر طوني بلير، بالابتسامة التي لا تفارقه، "اننا لا نستطيع تحمل سياتل أخرى". ولم تتردد ال"ايكونوميست" البريطانية في تفهّم الانطباع الذي تتركه لقاءات دافوس ومؤداه ان ثمة "مؤامرة يحيكها الرجل الأبيض في العتمة" الرجل الأبيض الغني جداً. كلاوس شواب هو مؤسس المنتدى الاقتصادي وكلود سماو جاهو مديره التنفيذي، ووقّع الاثنان مقالاً جاء فيه: "نعرف، الآن، ان العولمة إذا تركت لمنطقها الخاص، تعمّق الهوة على الصعيدين الوطني والدولي بين المجهزين للاستفادة منها والمتروكين على هوامشها". واعترفا بأن "سياتل كانت نقطة انعطاف" وبأنه لا بد من نظام تعددي يدمج الحساسيات الإقليمية المختلفة. وطرحا السؤال المركزي حول امكان التوصل الى ذلك "في ظل تمتع أميركا بموقع السيطرة العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية والمالية". واستمع الحاضرون في دافوس الى نتائج استفتاء أجري بين 1020 مديراً لكبريات الشركات، وهو يبين أن أكثر من 500 بينهم يخشون أن تزيد "إنترنت" الهوة بين الدول الصناعية والدول الفقيرة، مما قد يقود الى انتفاضة اجتماعية. وطرح منظم الاستفتاء سؤالاً مركزياً: كان التقدم التكنولوجي، في السابق، يردم الهوة الاجتماعية، فما الذي يحصل الآن؟ وبما أن جيفري ساخس خبير تائب في علاجات الصدمة الليبرالية فإنه قدم عرضاً عن تفاوت الأوضاع الصحية في العالم. الخلاصة: "ان واحداً على عشرة من الواحد في المئة من أرباح البورصة الأميركية يكفي لإيجاد لقاحات تنقذ 5 - 10 ملايين انسان في العالم". كذلك كان جوزف ستيغليتز حاضراً. فهو كبير اقتصاديي البنك الدولي واستقال من منصبه ليمتلك حرية الكلام. يقول إن لا رأي للدول الفقيرة في ما يجري في العالم. وأن معالجة الأزمة الآسيوية تمت ضد العمال والمؤسسات الصغرى لأن لا صوت للمتضررين، وان العالم الغربي يعيش وهماً مؤداه أن التخصيص حل لكل شيء. جميع الواردة أسماؤهم أعلاه كانوا قالوا كلاماً مخالفاً قبل سنوات قليلة. لكن صرخاتهم التحذيرية الراهنة موسمية. فما لم تتفتح الف "سياتل" لن يكون ممكناً الرد على هذه العولمة النفعية بعولمة تضع الإنسان في اعتبارها.