كانت الاتهامات المتبادلة هي سيدة الموقف في ملف عمليات الاغتيال لشخصيات ليبرالية وقومية معارضة بأيدي مسؤولين وعناصر من وزارة الاستخبارات عام 1998. إلا أن المرحلة الأولى والرئيسية تم الانتهاء منها في ملف القضية عندما تم توجيه الاتهام رسمياً الى ثمانية عشر شخصاً من الاستخبارات بالتورط في القضية. وبحسب الرئيس خاتمي فإن المرحلة الثانية والتي تستهدف معرفة جذور الأمر، هي قيد المتابعة. وتدعو أوساط التيار الإصلاحي كحزب جبهة المشاركة، الى أن تكون المحاكمة علنية، لكن القضاء العسكري أرجع الأمر الى القاضي المختص والمكلف متابعة القضية لتحديد ما إذا كانت الضرورة تقضي بسرية المحاكمة نظراً لحساسية الموضوع وتعلقه بالأمن، أو بإمكان أن تكون علنية. وعاد ملف الاغتيالات الى الواجهة بقوة عندما عمد الصحافي الإصلاحي أكبر غنجي الى إثارة زوبعة أثناء محاكمته أمام المحكمة الثورية في طهران بتهم كثيرة منها الإساءة الى الأمن القومي... وتمثلت الزوبعة في قيام غنجي بتوجيه الاتهامات الى شخصيات محافظة بالتورط في عمليات الاغتيال ومنها وزير الاستخبارات السابق دري نجف آبادي، والوزير الأسبق علي فلاحياند. وكان القضاء العسكري استدعى دري نجف آبادي للتحقيق معه أكثر من مرة، وأصدر قراراً بوقف أي ملاحقة له بعد توصله الى قناعة بعدم تورطه في إصدار أي أوامر للمتورطين في عمليات الاغتيال... ويصرُّ البرلمان الإصلاحي على مساءلة وزير الاستخبارات الأسبق على فلاحيان للرد على اتهامات بشأن صلته مع سعيد إمامي الرأس المدبر للاغتيالات والذي انتحر في سجنه العام الماضي. وشهد العام ألفين محاكمة المتهمين من رجال الشرطة، باقتحام الحرم الجامعي في طهران في تموز يوليو 1999، وصدرت أحكام بتبرئة معظم المتهمين وعلى رأسهم الجنرال فرهاد نظري القائد السابق لشرطة العاصمة. اضطرابات خرم آباد ولم تمر الذكرى السنوية لأحداث الحي الجامعي من دون صدامات في طهران بين مناصري التيارين المحافظ والإصلاحي من الطلبة الجامعيين، وتبعها تدخل لقوات الشرطة. إلا أن الأبرز كان حدوث اضطرابات في مدينة خرم آباد وسط ايران بين مناصري الفريقين على خلفية إقامة المؤتمر السنوي لمكتب تعزيز الوحدة وهو أكبر تجمع طلابي إصلاحي، إذ تم اعتباره تحدياً لمشاعر المواطنين الرافضين لطروحات بعض المفكرين الإصلاحيين مثل عبدالكريم سروش ومحسن كديور... واستمرت الصدامات أياماً عدة قتل خلالها أحد رجال الشرطة وجرح اكثر من مئة شخص بينهم عشرون من الشرطة أيضاً، وذلك في أواخر شهر آب اغسطس. وتداعت أجهزة الحكم لمعالجة الأزمة فتشكلت لجان عدة للتحقيق من وزارة الداخلية والقضاء والبرلمان، وتضاربت النتائج بشأن تحديد المسؤوليات، فطاولت نائب وزير الداخلية مصطفى تاج زاده وبعض معاونيه، ومكتب تعزيز الوحدة، وفقاً لما جاء في تقرير هيئة التفتيش المركزي التابعة للقضاء، بينما طاولت الاتهامات الحرس الثوري والمتطوعين ومكتب تعزيز الوحدة وفقاً لتقرير وزارة الداخلية... عودة نظرية المؤامرة وكان القاسم المشترك في الأحداث الأمنية بمجملها هو نظرية المؤامرة، إذ تؤكد أوساط التيار الإصلاحي وجود خلية أزمة عند المحافظين مؤلفة من شخصيات عسكرية وإعلامية تريد الانقلاب على خاتمي وإحراجه حتى إخراجه من السلطةه. وتؤكد أوساط التيار المحافظ وجود "طابور خامس" تسلل الى داخل التيار الإصلاحي متخذاً منه "حصان طروادة" من أجل القيام بانقلاب أبيض يستهدف إطاحة النظام الإسلاميو، ويقصد به "الليبراليون". وتصاعدت تحذيرات المحافظين من مغبة تكرار تجربة انهيار الاتحاد السوفياتي على الساحة الإيرانية، وهي تجذيرات لاقت صدى لدى المرشد آية الله علي خامنئي، لكنه رفض اعتبار أن تكون ايران كالاتحاد السوفياتي أو أن يكون خاتمي مثل غورباتشوف. ووضع المرشد تقسيمين للقوى السياسية وهي القوى التي تعتبر بمثابة أهل للثورة، تقابلها القوى المناوئة لها، ويتجاوز هذا التقسيم مصطلح اليمين واليسار، أو المحافظين والإصلاحيين. خاتمي بين تطرف اليسار واليمين حرص خاتمي على تأكيد متانة علاقته مع المرشد خامنئي، وبدأ سياسة هجومية تستهدف المتطرفين في اليمين المحافظ واليسار الإصلاحي على حدٍ سواء ليؤكد أن إيران بحاجة الى الاعتدال والحوار. وخلال لقائه طلبة جامعات طهران مطلع الشهر الجاري، حمل خاتمي على نوعين من التطرف وقال إنهما "وجهان لعملة واحدة ويستهدفان اساس النظام الجمهوري الإسلامي في إيران". وشدد على أن التطرف الأول هو القائل أن الحرية لا يمكنها أن تعيش مع الدين، بينما يقول التطرف الثاني إن الدين لا يمكن ان يعيش مع الحرية... لكن خاتمي توّج نهاية العام ألفين بتصعيد كبير ضد منافسيه المحافظين حيث فتح معركة الصلاحيات الدستورية ليعلن "أن رئيس الجمهورية عاجز عن وقف الانتهاكات للدستور ولا يملك سوى صلاحية توجيه توصيات وإنذارات دستورية". ورأى المحافظون ان خاتمي أراد التغطية على عدم نجاح فريقه في الوفاء بالوعود التي قطعها للناخبين في انتخابات الرئاسة عام 1997 "وأن طرحه قضية عدم تمتعه بالصلاحيات المطلوبة، يقود البلاد الى الفوضى"ز. ورفض الإصلاحيون ما ذهب إليه خصومهم من أن خاتمي طرح هذا الموضوع لأسباب انتخابية تتعلق بالانتخابات الرئاسية المقررة في أيار مايو 2001. وحرص خاتمي على قطع الطريق أمام المحافظين كي لا يستغلوا تصريحاته فأعلن "أن أي حديث عن تغيير الدستور بهدف تغيير النظام الإسلامي، يعتبر خيانة للشعب الإيراني والحركة الإصلاحية". وحمل في الوقت نفسه على المتطرفين "الذين يعملون على بث اليأس في النفوس لكي تخلو لهم الساحة". وما بين سطور هذه المواقف كان التحدي هو سيد الموقف بكل ما يعنيه من ضرورة الاستمرارية، وهو ما يعني ان خاتمي سيكون مرشح الإصلاحيين لولاية رئاسية ثانية، وهو ما يجزم به الإصلاحيون والمحافظون على حد سواء.