} روسيا تغرق في ظلام دامس بسبب انهيار اعمدة نقل التيار الكهربائي ومئات المدن تعاني من البرد القارس لتوقف امدادها بالمحروقات وانظمة الدفاع الاستداتيجي مصابة بشلل كامل والطائرات تتساقط والجسور تهوي والمصانع تتوقف، كل ذلك وموسكو تواجه ضغوطاً من الدول المدنية التي تطالبها بتسديد 17 بليون دولار... هذه ليست بداية الحرب العالمية الثالثة، بل تصور فريق من الخبراء عن وضع روسيا عام 2003. وهم يقولون ان كوارث مثل غرق الغواصة "كورسك" او حريق برج موسكو ستبدو باهتة مقارنة بما سيجري في روسيا خلال السنوات القليلة المقبلة. شكل مجلس الدوما البرلمان الروسي لجنة لدراسة "مشكلة 2003" ووضع برامج عمل لدفع مخاطرها. وحصلت هذه اللجنة على دعم من الحكومة ومن الرئيس فلاديمير بوتين، في وقت يتساءل الجميع ما هي "مشكلة 2003"؟ ويقول عضو اللجنة البرلمانية فيكتور ابيكونوفا ان ثلاث مشكلات كبرى تهدد روسيا ويشكل كل منها أزمة مستعصية. لكن اخطر ما في الامر ان الازمات الثلاث ستصل الى ذروتها عام 2003، ما يحمل تهديداً جدياً للبلاد خصوصاً مع قصر المهلة الزمنية المتوفرة لمواجهتها. المشكلة الاولى تتجسد في الديون الخارجية لروسيا التي سيكون عليها ان تسدد اكثر من 85 بليون دولار خلال السنوات الست المقبلة، ولكنها في عام 2003 مطالبة بدفع 17 بليون دولار دفعة واحدة، الامر الذي يترك آثاره على اي خطط للنهوض بالاقتصاد، إضافة الى ان الحكومة الروسية لا تعرف كيف تؤمن هذا المبلغ خلال السنوات الثلاث المقبلة. والكارثة الثانية التي تنتظرها بدأت بوادرها في الظهور من خلال الخلل الديموغرافي الخطير الذي يعاني منه المجتمع الروسي ويتوقع ان يتضخم خلال السنوات العشر المقبلة. وتؤكد الدراسات حدوث انخفاض حاد في نسب الولادات يقابله ارتفاع في نسب وفيات الاطفال، ما ادى الى خلل كبير في تركيبة المجتمع. ونتيجة هذا الخلل، سيترتب على كل عامل اعالة ثلاثة متقاعدين بحلول عام 2003، علماً ان هذه النسبة كانت معكوسة في زمن الاتحاد السوفياتي. وأفاد تقرير لوزارة الصحة ان اعداد المرضى تضاعفت مرتين خلال الاشهر العشرة الاولى من عام 2000. وسجل المركز الختص بمكافحة "الايدز" ألف اصابة اسبوعياً ووصف المرض بأنه "وباء" يجتاح المدن وخصوصاً في موسكو وضواحيها. ورأى الخبراء ان عدد المصابين الذين لا يلجأون الى المؤسسات المختصة للتسجيل، يبلغ عشرة اضعاف الحالات المسجلة. وأكدوا ان في روسيا الآن نصف مليون حالة على الأقل وتوقعوا استمرار الزيادة الكبيرة ليصل عدد الاصابات الى مليون خلال عام واحد وخمسة ملايين خلال خمسة اعوام. وفي تقرير وزارة الصحة ان 5،3 في المئة من الشباب من 16 الى 26، مصابون بالمرض القاتل، مع الأخذ في الاعتبار ان 90 في المئة من المصابين في اعمار بين 15 و30 سنة، يموتون من دون ترك ذرية سليمة، ما يهدد الوضع الديموغرافي في روسيا. "أم الكوارث" اما "ام الكوارث" التي تهدد روسيا فهي ببساطة انهيار البنى التحتية بسبب الاهمال وقلة الصيانة خلال سنوات طويلة. فالطرق التي تسلكها السيارات والسكك الحديدية والجسور والانفاق وخطوط نقل الغاز والنفط والكهرباء وانظمة السلامة العسكرية والمصانع الكبرى والمحطات النووية وغيرها، استهلكت جميعها بنسب تراوح بين 65 و 80 في المئة وباتت في حاجة ماسة الى عمليات الصيانة والتحديث والا فان الوضع ينذر بكوارث تقنية لا يمكن التنبؤ بنتائجها. وكانت مفاجأة قاسية خلال ازمة حريق برج موسكو، الاعلان عن ان روسيا لا تملك المروحيات الخاصة بإطفاء حريق كهذا لان مروحيتين من هذا النوع تعطلتا منذ سنوات ولم يتم اصلاحهما. وبعد غرق الغواصة كورسك، شاهد العالم كيف تمكنت فرق الغواصين النرويجية من القيام خلال ساعات بما عجزت عنه روسيا طيلة اسبوع كامل. ويذكر ان "حوادث - كوارث" عدة كادت ان تقع بسبب خلل تقني، اذ ادى قطع التيار الكهربائي في بعض المواقع العسكرية المهمة الى اعلان حال الطوارئ فيها، وتعرض المجمع الصناعي النووي "ماياك" لمخاطر وصفت بانها جدية لولا الخبرة الكبيرة التي يتمتع بها الطاقم الفني فيه. وفي منطقة الاورال، كادت ان تقع كارثة نووية بسبب عطل فني مفاجئ في محطة "بيليارسكي" النووية. وحتى الآن تمكنت الكفاءة التي يتمتع بها الخبراء الروس والموروثة منذ العصر السوفياتي من دفع مخاطر الكوارث المأسوية. السؤال ماذا بعد؟ ماذا لو تكررت حالات مثل هذه في المحطات النووية وغيرها من المنشآت الحساسة؟ ويقول نائب رئيس اللجنة البرلمانية للصناعة والبناء الكسندر ياشين ان "حوادث مأسوية ستقع بالجملة خلال السنوات الثلاث المقبلة. فنحن ما زلنا نعيش على امجاد الاتحاد السوفياتي وكأننا في متحف. ولا احد يريد ان يبني شيئاً". وقال ياشين ان تقريراً اعد عام 1998 حول حجم استهلاك الثروات الصناعية، ابرز انه خلال عهد الرئيس السابق بوريس يلتسن، انخفضت القدرة الصناعية في البلاد بنسبة 25 في المئة. وبين التقرير ان البنى التحتية للصناعات الثقيلة اصبحت مستهلكة بنسبة 70 في المئة وصناعات الغاز والكيماويات بنسبة 80 في المئة. الصناعة المهددة وحسب تقديرات وزارة الاقتصاد سيكون على روسيا ان توظف خلال الاعوام العشرين المقبلة مبالغ لاعادة انشاء البنى التحتية تفوق خمس مرات موازنة الدولة كلها، وذلك كله يؤشر الى ان الكارثة مقبلة على روسيا ما لم تبدأ المواجهة على الفور. ويقول فلاديمير كليويف: مدير المؤسسة الروسية المكلفة بدراسة سبل اتقاء الاخطار المذكورة، ان في روسيا ما يناهز 100 الف مركز للصناعات الخطرة من بينها 1500 مركز للصناعات النووية واكثر من 3000 للصناعات الكيماوية والبيولوجية الشديدة الخطورة، إضافة الى مئات الآلاف من الكيلومترات من خطوط امداد النفط والغاز، عمر الجزء الاكبر منها اكثر من 15 عاماً. ويضيف كليويف: ان الحوادث ذات الطابع التقني تحصل يومياً في جميع انحاء العالم لكن المتابعة اليقظة ودراسات التوقعات تساهم في الحد من مخاطرها او ان الرقابة المحكمة بنسبة 90 الى 95 في المئة تخفض خطر وقوع كارثة 10 الى 20 مرة. ويشير كليويف الى ان الاهتمام بمراكز الدراسات والتوقعات في روسيا اقل مئات المرات منه في الولاياتالمتحدة "لانهم في الغرب يفهمون هذا الخطر اكثر منا"، مضيفاً انه في الولاياتالمتحدة يجري رصد 30 في المئة من القيمة الكلية لاي مشروع للدراسات والتوقعات، بهدف تجنب اي مخاطر تقنية، بينما في روسيا تقل هذه النسبة بعشرات المرات. الحلول المستحيلة ويلاحظ ان الاوضاع الاقتصادية المتردية في روسيا لا تسمح بحل هذه المشكلة فاذا توافر فائض مالي لدى مؤسسة مثل شركة قطارات الانفاق، فانه يجب ان يذهب فوراً الى شراء عربات جديدة بدلاً من اعداد الدراسات الفنية. وتحاول الحكومة ان تضع اقدامها على اول الطريق في مواجهة الكوارث المقبلة. ويقول رئيس الوزراء ميخائيل كاسيانوف ان الحكومة تفكر جدياً في رفع القيود الجمركية تماماً عن استيراد الاجهزة والمعدات التقنية الثقيلة في محاولة لتشجيع حركة التحديث والبناء الصناعي. ولكن الى اي مدى يمكن ان تساعد هذه الخطوات في دفع شبح الكارثة في غياب برنامج عمل متكامل لدى الحكومة؟ وفي رد على سؤال من "الحياة"، قال مسؤول في المركز الصحافي لمجلس الدوما ان اللجنة البرلمانية التي مضى على تشكيلها ثلاثة اشهر، "لم تضع حتى الآن اي خطط عمل".