اتسعت موجة الغضب في الشارع الفلسطيني اثر قرار القيادة الفلسطينية ارسال وفد إلى محادثات واشنطن، وما تسرب من أنباء عن مسعى إسرائيلي وأميركي لمقايضة حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم بالسيادة على الحرم القدسي، واتخذ التعبير عن هذا الغضب شكل اضراب ومسيرة شعبية ضخمة لتأكيد رفض استئناف المفاوضات مع الإسرائيليين، و"كأن الانتفاضة لم تكن". وكشفت مصادر إسرائيلية أن الرئيس الأميركي بيل كلينتون يعتقد أنه "عندما يتبين للطرفين الفلسطيني والإسرائيلي أن بينهما اتفاقات مفصلة حول إدارة الاقتصاد والتجارة والمواصلات، فإن مسألة السيادة في القدس ستتحول أمراً ثانوياً". واحبط امتناع سبع دول عن التصويت بينها أميركا وبريطانيا وفرنسا وروسيا، مشروع قرار في مجلس الأمن لإرسال قوة مراقبة دولية إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة. واطلق مسؤولون إسرائيليون بإيعاز من رئيس الوزراء المستقيل ايهود باراك حملة "الدعاية من أجل التنازل عن الحرم" القدسي الشريف، بينما نفت القيادة الفلسطينية، لليوم الثاني على التوالي، أي نية للتفريط بحق اللاجئين في العودة. وأعلنت وزيرة الاستيعاب الإسرائيلية يولي تامير ان "التخلي بطريقة أو بأخرى عن السيادة على جبل الهيكل الحرم القدسي قد يكون ضرورياً". وكشفت الوزيرة القريبة إلى باراك، ان "الأمر الأساسي هو الحصول على أهم شيء. أي تنازل الفلسطينيين عن حق اللاجئين في العودة إلى أراضي إسرائيل التي تتمتع بالسيادة". وأضافت ان "حق العودة يشكل أكبر قلق لنا، لأننا نريد الحفاظ على الغالبية والطابع اليهودي لإسرائيل، والتخلي عن حق العودة هو الوسيلة الوحيدة للتوصل إلى ذلك". وسبقت هذه التصريحات وصول وفد فلسطيني وآخر إسرائيلي إلى واشنطن لاجراء محادثات منفصلة مع مسؤولين أميركيين، قد تمهد لمحادثات ثنائية مباشرة، تستند إلى ما عرف ب"وثيقة كلينتون". وامتزجت مشاعر الغضب التي رافقت تشييع شهيد فلسطيني جديد سقط برصاص مستوطنين يهود قرب قرية عابود في منطقة رام الله، بالاستياء وعدم تصديق قرار القيادة الفلسطينية تجديدغ المفاوضات مع إسرائيل، في ظل استمرار حصارها على المدن والقرى الفلسطينية ومواصلة جيشها القتل والقصف العشوائي ضد الفلسطينيين. وعلى رغم نفي السلطة الفلسطينية قبولها أي حل يستند إلى مقايضة قضية القدس بقضية اللاجئين، اطلق مسؤولون إسرائيليون حملة "الدعاية من أجل التنازل عن الحرم". وأفادت مصادر إسرائيلية أن باراك أمر بها "لتوضيح الوضع الواقعي في الحرم. وحقيقة أن الفلسطينيين يسيطرون عليه بحكم الأمر الواقع"، وفقاً لما أوردته صحيفة "معاريف". وأيد وزير الخارجية الإسرائيلي شلومو بن عامي تسليم الفلسطينيين "سيادة دينية" على الحرم القدسي الشريف، ورأى ان الحديث عن "سيادة سياسية لموقع مقدس يبطل إلى حد ما قدسيته". وزاد قبل مغادرته إلى واشنطن ان قيام "سيادة دينية على جبل الهيكل يبقي الوضع على حاله من دون طرح مسألة السيادة السياسية قد لا يكون فكرة سيئة". وأشار إلى أن الوفد الذي يرأسه سيعود من واشنطن مطلع الأسبوع المقبل. في الوقت ذاته، أكد السيد نبيل أبو ردينة مستشار الرئيس ياسر عرفات، تمسك الفلسطينيين بكل القضايا الجوهرية، خصوصاً قضيتي القدس واللاجئين. وقال إن "التسوية النهائية لن تتم قبل أن يعود كل لاجئ إلى أرضه". وجاء كلام أبو ردينة غداة تأكيد السيد محمود عباس أبو مازن، أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، أول من أمس، ان الفلسطينيين لن يفرطوا بحق اللاجئين، خصوصاً الموجودين في لبنان، في العودة إلى ديارهم. مجلس الأمن وقضى مجلس الأمن فجر أمس على مشروع قرار لارسال قوة مراقبة دولية إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، وأعفى الولاياتالمتحدة من استخدام حق النقض الفيتو، من خلال امتناع سبع دول عن التصويت، بينها أميركا وروسيا وفرنسا وبريطانيا. وقال مصدر فرنسي مطلع إن وزير الخارجية هوبير فيدرين كان ألح على الرئيس الفلسطيني لعدم التمسك بطرح مشروع القرار في هذه المرحلة "لأن أميركا تعارضه، والظروف قد تكون أفضل في إطار اتفاق مع إسرائيل". وطالب فيدرين بتأجيل طرح المشروع على التصويت، لكن السفير الفلسطيني في الأممالمتحدة تمسك به. ورأت مصادر فرنسية أن الفلسطينيين أخطأوا في هذا التحرك. وعبر الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان، أمس، عن تفاؤل حذر باحتمال توصل القيادتين الفلسطينية والإسرائيلية إلى اتفاق قبل انتهاء ولاية الرئيس بيل كلينتون في 20 كانون الثاني يناير، وقال إن "الوضع ليس ميئوساً منه". وتفادى خلال مؤتمر صحافي عقده في الأممالمتحدة تأكيد أو نفي ما نقله عنه ديبلوماسيون روس لجهة اعتبار الإصرار على ايفاد قوة مراقبة دولية إلى الأرض الفلسطينية المحتلة مصدر "تقويض" لجهوده. وقال رداً على سؤال ل"الحياة" إن "مجلس الأمن سيد نفسه والوفود تصوّت بحسب التعليمات لديها وكما يملي عليها ضميرها". وتابع أنان أنه أكد أمام المجلس الأسبوع الماضي الرغبة في "استئناف محادثات السلام"، ولفت إلى أن "الاتصالات" التي كانت جارية، أفادت أن الجهود ستكون ايجابية، في إشارة إلى محادثات واشنطن التي بدأت أمس. ونبه إلى أنه ناشد المجلس "الحفاظ على العمل الموحد"، واتخاذ المواقف على أساس "الاجماع". ورأى ان "انقسام مجلس الأمن لا يساعد في معالجة المسائل". واستشهد بانقسام أمس بين 8 دول ساندت مشروع قرار انتشار قوة مراقبة دولية، و7 دول امتنعت عن التصويت، ما أحبط تبني المشروع. وأصدر الناطق باسم أنان بياناً نوه باستئناف المحادثات الفلسطينية - الإسرائيلية برعاية أميركية. وقال إن الأمين العام يشدد على ضرورة تنفيذ الأطراف كل التفاهمات التي توصلت إليها قمة شرم الشيخ، وأبرزها "وقف العنف، والابتعاد عن نقاط الصدام، إذ أن ذلك سيعطي المفاوضات أفضل فرص النجاح".