دخلت اسرائيل في دوامة معركة انتخابية ستستمر ستين يوما بدأت بالضبابية، ولا يُعول ان يخرج الفائز فيها بوضوح في الرؤيا حتى بعد اجراء الانتخابات بالنظر الى ان اسرائيل غير مستعدة لاتخاذ القرار السياسي المناسب في شأن الحقوق الفلسطينية. واعتبر الرئيس الفلسطيني ان استقالة باراك جاءت نتيجة للضغوط الناجمة عن الانتفاضة الشعبية الفلسطينية. ورأى فلسطينيون بارزون ان "لاءات" باراك هي التي قضت على فرص السلام. تدخل استقالة رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود باراك حيز التنفيذ غداً الثلثاء بعد ان قدمها رسميا الى الرئيس الاسرائيلي موشيه كتساب. وقد اعلنت اللجنة المركزية لحزب العمل امس بالاجماع، على لسان سكرتر الحزب رعنان كوهين، اختيارها باراك مرشحا للحزب لرئاسة الحكومة، فيما تصاعدت امكانية دخول زعيم حزب ليكود السابق بنيامين نتانياهو حلبة التنافس. وأعرب باراك بعد تقديمه كتاب الاستقالة عن امله في ان تجرى انتخابات "سريعة وحازمة وعادلة ونزيهة وان تكون نتائجها صحيحة". واشار مجددا الى انه قرر التوجه الى الانتخابات للحصول على تفويض الجمهور من جديد بسبب الاوضاع الحالية الخطرة وعدم التجاوب مع دعواته لتشكيل حكومة وحدة وطنية. وأثنى كتساب على قرار باراك واصفا اياه بأنه "صائب". ونفى كل من باراك وزعيم حزب ليكود أرييل شارون ان يكونا اتفقا مسبقا على استقالة باراك الدراماتيكية لقطع الطريق امام نتانياهو لترشيح نفسه. ويسمح القانون الاسرائيلي فقط لاعضاء الكنيست البرلمان الاسرائيلي بالتنافس على منصب رئاسة الحكومة. وكان رئيس الوزراء السابق نتانياهو قدم استقالته من البرلمان بعد هزيمته الساحقة في ايار مايو من العام الماضي على يد باراك نفسه. واعلن باراك وشارون في تصريحات منفصلة انهما سيصوتان لصالح تعديل القانون الحالي الذي يمنع من ليس عضوا في الكنيست من ترشيح نفسه في محاولة لابعاد تهمة "المؤامرة" التي ألصقت بهما. ويعود قرار باراك الاستقالة الى ثلاثة اسباب يرى محللون كثيرون انها تصب في مصلحة شخصية ضيقة. وأول هذه الاسباب نتائج استطلاعات الرأي العام الاسرائيلي التي دلت ليس على تراجع شعبية باراك بالنسبة الى نتانياهو فحسب، وانما بالنسبة الى شارون ايضا بفارق اقل، وتصاعد الانتقادات وتآكل شعبيته داخل حزبه ومطالبة بعض الاعضاء بتقديم استقالته، والانتفاضة الفلسطينية التي لا تتوافر بوادر على نهاية قريبة لها. وحرم باراك عملياً، بتقديمه استقالته، جميع من يسمون انفسهم ب"الحمائم" داخل حزبه امثال حاييم رامون وشمعون بيريز وعوزي برعام وابراهام بورغ من اي فرصة زمنية كافية لعرض ترشيحهم لمنصب رئيس الحكومة على اللجنة المركزية للحزب في اجتماعها امس. أما في ما يتعلق بالشأن الفلسطيني، فإن باراك يحاول بخطوته الاخيرة ممارسة المزيد من الضغط على القيادة الفلسطينية ورئيسها ياسر عرفات لدفعه للتوصل الى اتفاق خلال شهرين قبل نهاية ولاية الرئيس الاميركي بيل كلينتون في العشرين من كانون الثاني يناير من السنة المقبلة. ولخص المحلل السياسي الاسرائيلي المعروف ناحوم برنياع موقف باراك بقوله ان الاخير توصل الى استنتاج مفاده: "ان تحديد موعد للانتخابات بعد خمسة اشهر لن يدفع عرفات الى اتفاق، ولكن اذا عرف عرفات ان الانتخابات على الابواب وان شارون او نتانياهو قد يفوزان بعد شهرين فإنه ربما يفهم ان من الافضل التوصل الى اتفاق". الا ان الصورة ليست بهذا الوضوح، فباراك ما زال يواجه امكانية تمرير مشروع قانون تحل الكنيست بموجبه نفسها. وتشير الدلائل الى ان ثلثي اعضاء الكنيست يؤيدون حلها، الامر الذي يعني اجراء انتخابات برلمانية خلافا لرغبة باراك الذي يريد انتخابات سريعة و"خالية" من نتانياهو. ولم يدلي نتانياهو الذي عاد مساء امس الى تل ابيب الى تل ابيب باى تصريح للصحافيين بشأن ما ينوي عمله. واذا نجح باراك في الانتخابات، فانه سيواجه اعضاء الكنيست الحاليين انفسهم الامر الذي سيعود به الى نقطة الصفر. ورأى رئيس بلدية القدس الاسرائيلي احد زعماء حزب ليكود ايهود اولمرت ان باراك سيخسر في الانتخابات المقبلة بسبب سياسة "التنازل" التي اتبعها. وقال اولمرت الذي يعتبر من اشد قادة ليكود دعما لنتانياهو: "لا اعلم من الذي سيكون رئيس وزراء اسرائيل الجديد ولكن من المؤكد انه لن يكون باراك"، مضيفا ان باراك وعد بعدم تقسيم القدس قبل انتخابه في المرة الاولى ولكنه نقض وعده ويريد تقسيمها مع الفلسطينيين. واعتبر الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات خلال توقفه في مطار القاهرة قبيل عودته الى غزة بعد اختتامه زيارة للمملكة العربية السعودية ان استقالة باراك كانت شيئاً متوقعاً "بعد الارتباك الكبير الذي ساد الاوساط الاسرائيلية اخيرا". وفور عودته الى غزة، رأى عرفات ان استقالة باراك جاءت "نتيجة للضغوط التي نجمت عن الانتفاضة الفلسطينية". لكنه اشار في تصريحات لاحقه الى ان هذه الخطوة ستؤدي الى "توقف جديد للمفاوضات الى ان تنتهي الانتخابات". واضاف ان هذه ليست المرة الاولى التي يقوم باراك فيها "بتضييع الوقت"، واعرب عن امله في ان لا تتأثر مسيرة السلام باستقالة باراك. واعتبرت النائبة الدكتورة حنان عشراوي في حديث خاص ل"الحياة" استقالة باراك "مناورة سياسية" جاءت لاسباب داخلية اسرائيلية ولفشله على مختلف الصعد وتصعيده للقمع والعنف العسكري الذي يمارسه على الشعب الفلسطيني من قتل وحصار وغيرهما. واكدت ان الانتفاضة الفلسطينية "فضحت الخلل في سياسة باراك الذي يريد ان يعرف السلام ويمليه على الفلسطينيين بالقوة". وحذرت عشراوي من ان المرحلة القادمة ستشهد "استنفارا لدى باراك وحزب العمل وما يسمى معسكر السلام واميركا واوروبا للضغط على الفلسطينيين لتقديم تنازلات بحجة ان البديل اسوأ". وقالت ان الرد الفلسطيني يجب ان يكون واضحاً صريحاً، وهو ان "باراك ليس منقذا للسلام وان لاءاته هي التي تقضي على السلام وان عقلية عسكرية قمعية هي التي تسيطر عليه وتقوده بالدرجة الاولى". وزادت: "نحن لسنا ملزمين بانقاذ باراك بالدفع من رصيدنا الاساسي المتمثل بحقوقنا الثابتة والمشروعة وارضنا". واشارت الى ان باراك سيحاول ان يدفع الفلسطينيين الثمن. وأكد مروان البرغوثي امين سر حركة "فتح" في الضفة الغربية ان الانتفاضة هي التي "اسقطت باراك تماما كما اسقطت الانتفاضة الاولى حكومات اسرائيلية عديدة". ميدانيا، استشهد صباح امس محمود يوسف مغربي 25 عاما، وهو من كوادر حركة "فتح" قرب طريق يسلكها المستوطنون غرب بيت جالا. وهدد تنظيم "فتح" في مخيم الدهيشة بالانتقام عبر "استهداف الجنود والمستوطنين". واستشهد امس ايضاً حكمت حنين برصاصة في صدره خلال مواجهات في قرية بيت فوريك قرب نابلس، فيما اصيب ثلاثة آخرون في مواجهات في قرية الخضر قرب بيت لحم.