ساهمت شركة "أرامكو السعودية" بصورة كبيرة في عمليات تنقيب وانتاج وتصفية النفط في الصين كشراكتها مع كل من شركة "سانغ يونغ" الكورية و"سينو كيم" الصينية في بناء مصفاتين في كينغ دو بمقاطعة شانغ دونغ بكلفة استثمارية تصل الى بليوني دولار يحتكر النفط السعودي جميع عملياتهما، وكذا مشروع آخر لتوسعة مصفاة ماو مينغ شمال شرق الصين وكذلك هناك شراكة اخرى مع "اكسون" الاميركية لاقامة مشاريع نفطية في مقاطعة فوجيان بالاضافة الى متابعة اجراءات الحكومة الصينية في تعديلات المصافي النفطية جنوبالصين لتخصيصها لاستقبال النفط السعودي. لهذا حرص الرئيس الصيني على زيارة المنطقة الشرقية للمملكة حيث شركة "ارامكو السعودية" والالتقاء مع المهندسين السعوديين هناك ولهذا حمل غلاف مجلة "Arbies Trends" الفرنسية ايلول/ سبتمبر 99 عنواناً كبيراً الصين.. الشريك الاستراتيجي المقبل للشرق الاوسط لكنه يحمل رؤية اقتصادية كبيرة مبالغاً فيها الا انها بالنسبة للخليج العربي فقد يكون الوضع مختلفاً خصوصاً في مراجعة الخطط الاستراتيجية الصينية للعقود المقبلة ففي ظل النشاط الاقتصادي الصيني الناجح حيث يبلغ معدل النمو الاقتصادي الصيني 7 في المئة تحولت الصين من دولة مصدّرة للنفط لشبكة استيراد ضخمة فمنذ عام 1993 بدأت الصين استيراد النفط الخام بزيادة سنوية تبلغ 9 في المئة بسبب النشاط الصناعي والاجتماعي في الصين فمع غزو الشركات الاميركية والاوروبية للصين بدأ الطلب الصيني يزداد وخرجت دراسات عدة منها دراسة نشرها معهد جيمس بيكر للسياسات العامة في تكساس وكذلك دراسة اخرى لمركز الطاقة العالمية بلندن بتوقعات مؤكدة ان يصل الطلب الصيني الى 8 ملايين برميل يومياً بحلول سنة 2005 ولهذا فان نفط الخليج هو الضمان الوحيد لتلبية حاجة الصين الاقتصادية فمعدل انتاج ونقل النفط من الآبار العربية يبلغ بين 9 و23 دولاراً ما في الخليج فهو اقل من دولارين ولهذا سجل الاعتماد الصيني على نفط الخليج تصاعداً كبيراً فخلال الاعوام 1994 - 1997 زاد من 40 في المئة الى 60 في المئة من محصلة استيراد الصين للنفط الخارجي ولهذا تعززت العلاقات الاقتصادية بين السعودية والصين وبلغ حجم التجارة بين البلدين نحو 1.7 مليون دولار عام 1999 ولهذا ذكر الرئيس الصيني جيانغ زيمين ان المملكة الشريك التجاري الاكبر مع الصين في الشرق الاوسط وشمال افريقيا. ترمي الصين الى تحريك المصادر النفطية كافة من حولها بهدف جعلها محطة رئيسية لممر جميع انابيب النفط وتوزيعه لاحقاً على الدول الآسيوية خصوصاً اليابان وكوريا الجنوبية وهو المشروع الذي اطلقت عليه الصين الجسر النفطي الآسيوي بحيث تمتد انايب النفط من كل من آسيا الوسطى والشرق الاوسط الخليج العربي لتلتقي بالجهة الشرقية من الصين داخل مصاف خاصة يتم بعدها توزيعها للاستخدام المحلي وخصوصاً في شانغهاي، وحمل النفط الى الدول المجاورة في كوريا واليابان، ومما يدل على جدية الصينيين في اتمام هذا المشروع قاموا بتنفيذ استراتيجيات عدة. 1 - تعزيز استيراد النفط الخليجي زادت الصين من طلبات استيراد النفط الخليجي في الاعوام الاخيرة فخلال الفترة بين 1994 و1997 ارتفعت نسبة استيراد النفط الخليجي للصين من 40 الى 60 في المئة من المجموع العام لاستيرادات النفط الاجنبي للصين. فالصين استوردت حدود 309 الف برميل يومياً عام 1993 ليرتفع الى 460 ألف برميل يومياً بحلول عام 1997 ومن المتوقع ان يصل الى 534 الف برميل السنة 2000 الى 1.2 مليون برميل يومياً بحلول سنة 2005 ولهذا فان كثيراً من الدراسات الاستراتيجية تتوقع ان يتنامى هذا الاستيراد ليصل الى 8 ملايين برميل نفط يومياً بحلول سنة 2015. 2 - تعديل تشغيل مصافي النفط الصينية من المعروف ان النفط الخليجي يتميز عن غيره بارتفاع نسبة الكبريت ولهذا فالعمل جار في كثير من المصافي الصينية في المنطقة الشرقية الساحلية من الصين لتهيئة تلك المصافي لخزن النفط الخليجي، ولعل وجود شركة "ارامكو السعودية" في هذا المجال يعد اكبر وجود نفطي خليجي بحضورها القوي من خلال مساهمتها الكبيرة في عمليات تنقيب وانتاج وتصفية النفط كشراكتها مع كل من شركة "سانغ يونغ" الكورية و"سينو كيم" الصينية في بناء مصفاتين في كينغ دو بمقاطعة شانغ دونغ بكلفة استثمارية تصل الى بليوني دولار اميركي يحتكر النفط السعودي جميع عملياتها، وكذا مشروع آخر لتوسعة مصفاة ماو مينغ شمال شرق الصين وكذلك هناك شراكة اخرى مع "اكسون" الاميركية لاقامة مشاريع نفطية في مقاطعة فوجيان. 3 - دعم وتعزيز العلاقات التجارية مع الدول الخليجية وعلى رغم ان التجربة الصينية الجديدة لتسويق بضائعها في الاسواق الخليجية الا انها سرعان ما احتفظت بمكانة متميزة لها فحجم التجارة السعودية - الصينية وصل الى 1.7 بليون دولار في نهاية عام 1999 يأتي بعد ذلك دولة الامارات حيث تُعد دبي بوابة مرور 85 في المئة من البضائع الصينية للاسواق الخليجية فكذلك فان الصين تعتبر من اهم خمس دول تجارية مع دبي، اما دولة الكويت فقد ارتفعت نسبة التبادل التجاري الصيني الى 2.9 في المئة خلال عام 1998 ناهيك عن المساعدات الاقتصادية التي قدمتها الكويت للصين جراء موقفها من الاحتلال العراقي كعقد حصلت عليه شركة الانشاءات الهندسية النفطية، في الصين بمبلغ 390 مليون دولار لتنفيذ عدد من المشاريع النفطية في الكويت وغيرها من مشاريع التعاون الصينية - الخليجية. انضمام الصين الى منظمة التجارة الدولية وصناعة الاسمدة لعل اكبر استفادة قد تغنم بها المملكة العربية السعودية ودول الخليج من انضمام الصين الى منظمة التجارة الدولية هي في تسويق منتجاتها البتروكيماوية عالية الجودة في الاسواق الصينية ومزاحمة المنتجات المحلية خصوصاً في صناعة الاسمدة فهناك نسبة 57 في المئة من انتاج الاسمدة العضوية في الصين تتم في مصانع الانتاج small-scale بطاقة انتاجية تصل الى 20 ألف طن سنوياً على العكس من الانتاج الضخم للاسمدة في الصناعة البتروكيماوية السعودية، كذلك فان الصناعة الصينية تستخدم الفحم الحجري كوقود اساسي في تلك العمليات المعروف بدناءة كفاءته الصناعية مقارنة باستخدامات الغاز الطبيعي ذي الكلفة الرخيصة في دول الخليج، ولهذا فان انضمام الصين الى منظمة التجارة الدولية ستكون دافعاً للسعوديين والخليجيين بدعم التعاون التجاري وتصحيح الخلل التجاري مع الصين خصوصاً في المملكة العربية السعودية الذي وصل الى 2.278 بليون ريال سعودي ثم تزايد بعد ذلك سنة بسنة حسب ارقام تقرير الغرفة التجارية السعودية في جدة. ويشير معظم الدراسات الاستراتيجية الى ان للخليج مستقبلاً ضخماً في السوق الصينية فهناك ازدياد متنام بالاقبال على النفط الخليجي يترافق مع معدل النمو الاقتصادي الصيني بمعدل 7 في المئة سنوياً لكن مع ذلك هناك تخوّف كبير لدى الحكومة الصينية بالارتباط بشكل كبير على النفط الخليجي لتخوف الصينيين من عدم استقرار المنطقة وكذا الترابط التجاري الكبير للمنطقة مع الولاياتالمتحدة التي قد يؤثر في التعاون الصيني مستقبلاً مع الخليج ولهذا فان الصين اتجهت الى اكثر من 20 دولة حول العالم لتأمين كميات نفط دائمة للصين وقدمت استثمارات ضخمة لتطوير حقول نفط دولية يعود انتاجها لاحقاً للصين، ولهذا فان على الديبلوماسية السعودية والخليجية توضيح مزايا التعاون النفطي مع الخليج برخص كلفة الانتاج وثبات الامدادات النفطية ولعقود طويلة في منطقة تملك اكثر من ربع الاحتياط الدولي. ختاماً فان جولة الأمير سلطان بن عبدالعزيز تهدف الى تعزيز الشراكة الاقتصادية مع الصين والدول الآسيوية بما يخدم مصالح الشعبين خصوصاً في المجال البتروكيماوي التي ستظل السعودية الشريك الامثل في تلبية احتياجات الصين النفطية لعقود طويلة، وهذا ما نص عليه البيان الختامي المشترك في الصين كذلك جاء انشاء جمعية الصداقة السعودية - الكورية دافعاً لتطوير العلاقات الاقتصادية بين البلدين، ولهذا فان آفاق التعاون الاستراتيجي بين البلدين مفتوحة بشكل كبير تعززها زيارة الأمير سلطان بن عبدالعزيز للتقدم بتصور مشترك لتطوير وتعزيز العلاقات الاقتصادية بين البلدين. * باحث سعودي متخصص بالدراسات الدولية - فلوريدا.