اشترت شركة «بتروتشاينا» الصينية قبل أسابيع 50 في المئة من مصفاتين في أوروبا، هما مصفاة لافيرا في جنوبفرنسا ومصفاة غرانجماوث في إسكتلندا. وهذا أول استثمار للصين في إدارة المصافي وتشغيلها في أوروبا. وستملك «بتروتشاينا» طاقة تكريرية تفوق مئة ألف برميل يومياً، وتضمن تشغيل أكثر من ثلاثة آلاف موظف في أوروبا في الوقت الحالي. وهذا ثالث استثمار نفطي مباشر في قطاع التكرير إذ اشترت الشركة الصينية منذ أشهر مصفاتين في كل من سنغافورة واليابان. يتمثّل التوجه الإستراتيجي للصين في مختلف أسواق العالم في ضمان الإمدادات النفطية إليها، مع تزايد الطلب المحلي على النفط بأكثر من ثمانية في المئة سنوياً إلى تسعة ملايين برميل يومياً حالياً، لتصبح الصين ثاني أكبر دولة مستهلكة للنفط مباشرة بعد الولاياتالمتحدة. ويُتوقع أن يتجاوز الطلب الصيني 22 مليون برميل يومياً نهاية 2030. ويمثل النفط نحو 10 في المئة من إجمالي مصادر الطاقة المستهلكة في الصين، في حين يمثل الإنتاج المحلي من الفحم المصدر الرئيس الأول للطاقة وبنسبة تفوق 80 في المئة. وتنوع الصين وارداتها من النفط الخام، فهي تشتريه من أكثر من 14 دولة نفطية موزعة على القارات كلها تقريباً، وتشمل دولاً في الخليج وأفريقيا وروسيا والبرازيل وفنزويلا وكولومبيا وكندا والمكسيك. وتُعتبر السعودية أكبر دولة مصدرة للنفط إلى الصين وبنسبة 20 في المئة، تليها أنغولا وروسيا والسودان وإيران وكندا وكولومبيا وفنزويلا والبرازيل. وتملك الصين أكبر حصة في إنتاج النفط الخام في السودان بنسبة تزيد عن 40 في المئة. وترحب معظم دول العالم بالاستثمارات الصينية إذ تفتح لها مجالات التعاون الاقتصادي مع العملاق الآسيوي الذي ينمو اقتصاده بمعدل يقترب متوسطه السنوي من 10 في المئة. وأفضل مثال استثمار شركة «أرامكو السعودية» بمشاركة شركة «إكسون موبيل» الأميركية وشركات صينية محلية، في قطاع النفط والبتروكيماويات الصيني. وافتُتح في آذار (مارس) 2010 مجمع لتصنيع البتروكيماويات باستثمارات سعودية - صينية - أميركية باستثمارات بلغت 1.5 بليون دولار. ويوجد في الصين أكثر من 800 طالب سعودي يدرسون في جامعاتها، وهو توجه سليم، فلا بد من تعلم لغة البلاد والاطلاع على ثقافتها لمعرفة كيفية التعامل مع الدولة المتوقع أن تصبح في يوم غير بعيد أكبر دولة مستهلكة للنفط في العالم. وتستثمر الصين حالياً في قطاع الغاز السعودي، وهناك أيضاً مشروع لبناء مجمع للنفط والبتروكيماويات في الصين بين شركة «كيو إيت» الكويتية و»داو» الأميركية مع شريك نفطي أوروبي. كل هذا يصب في إيجاد منافذ آمنة لكل المنتجين، وأمنيتهم الحصول على أي حصة ممكنة بغض النظر عن النسبة، طالما أنها جزء من هذه السوق الصينية الهائلة وقوامها 1.3 بليون مستهلك لكل شيء تقريباً. وتتواجد الصين في مجال التنقيب عن النفط في العراق وفي مجال التكرير في إيران. والترحيب الأوروبي بالاستثمارات الصينية يعكس دفء العلاقات، بعكس ما يحدث مع الروس، خصوصاً في مجال النفط. فمنذ زمن بعيد والروس يحاولون الحصول على موطئ قدم للاستثمار في مجال التكرير وشراء مصاف لتكرير النفط الخام الروسي. بيد أن معظم الدول الأوروبية تكرر النفط الروسي في مصافيها وتعارض دخول الشركات الروسية والاستثمار في مجال النفط والتكرير. والأسباب كثيرة، منها سياسي ومنها الخوف من سيطرة روسية على النفط يشبه تحكم روسيا في إمدادات الغاز الطبيعي واحتكار الأسعار وزيادة أسعار الغاز الطبيعي وافتعال مشاكل مع الدول المجاورة لها كل سنة تقريباً، خصوصاً في فصل الشتاء. لكن أوروبا تتعامل بطريقة مختلفة مع الصين، ربما لبعد المسافة عنها ولما تملكه الصين من قوة شرائية ستكون الأكبر بعد سنوات قليلة لتتفوق على الولاياتالمتحدة بحيث تصبح الطاقة المحركة الأولى للاقتصاد العالمي. * كاتب متخصص في شؤون الطاقة