حققت "المؤسسة العامة للاتصالات السلكية واللاسلكية" في سورية خلال الأعوام العشرة الماضية أرباحاً كبيرة مقارنة بغالبية شركات القطاع العام، إذ وصلت وارداتها العام الماضي الى 60 مليون دولار بزيادة عشرة ملايين دولار عن العام 1995 التي بلغت نحو 50 مليون دولار، بعدما كانت صفراً عام 1970. وعلى رغم تأخر سورية في مجال التقنيات الحديثة، خصوصاً خدمتي الإنترنت والهاتف المحمول اللتين لم يبدأ العمل بهما حتى العام 1996، بالنسبة الى الأولى، والعام الجاري بالنسبة الى الثانية، فبالمقارنة مع السبعينات والثمانينات، تكون الشركة قفزت قفزات كبيرة خلال الأعوام الخمسة الأخيرة في مجال تأمين بنية تحتية جيدة للخدمات الهاتفية. فخلال السبعينات لم يكن في سورية أكثر من ثمانين ألف خط هاتفي ارتفع، خلال الثمانينات الى نصف مليون خط ليصل عام 1996 الى مليون ونصف مليون خط، مع انتهاء تنفيذ مشروع التوسيع الأول "مشروع المليون رقم" الذي أنجز خلال ثلاث سنوات. لكن كثافة التغطية بقيت في حدود 8 في المئة، أي بمعدل 9 خطوط لكل 100 شخص، وتعتبر هذه النسبة أعلى من مثيلاتها في بلدان كالجزائر واليمن، إلا أنها أقل منها في بلدان الخليج ولبنان وتركيا. وتنفذ مؤسسة الاتصال ومنذ العام 1998 مشروعاً ثانياً لإضافة 6،1 مليون خط، ومن المتوقع أن يتم الانتهاء منه خلال أربع سنوات لتصل الكثافة الهاتفية الى 20 في المئة خلال العام 2004 مع تغطية لنحو 80 في المئة من طلبات المواطنين. وعند إتمام هذا المشروع، من المتوقع تقليص مدة الانتظار للحصول على خط الى ثلاث سنوات، في حين يصل الانتظار الآن الى 15 سنة، إذ إن المؤسسة لا تزال عاجزة عن تلبية حاجات طالبي الاشتراك في المدينة. وتصل كلفة المشروع الذي تنفذه ثلاث شركات هي "اريكسون" و"سيمينز" و"سامسونغ" الى 500 مليون دولار. وتموّل مؤسسة الاتصالات القسم الرئيس بواسطة ثلاثة قروض بقيمة 245 مليون دولار حصلت عليها الحكومة السورية من "صندوق أبو ظبي للتنمية" و"الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي" و"الصندوق الكويتي للإنماء" فيما تؤمن بقية المبلغ من وارداتها الذاتية بالقطع الأجنبي. ويرى الخبراء، حتى بعد إتمام المشروع والتقيد بمواعيد الإنجاز، أن مشكلة النقص في الخطوط لن تحل في شكل كامل لأن نسبة التغطية لن تزيد على 25 في المئة، إضافة الى "أن المؤسسة غير قادرة على صيانة شبكتها المستقبلية وحمايتها من الأعطال". ويؤكد هؤلاء "ضرورة كسر الاحتكار وإشراك عدد من مؤسسات القطاع الخاص لتقديم خدمات الاتصالات الأخرى التي تحتاج الى مؤسسات عالية الكفاية كخدمات الهاتف النقال والإنترنت". وتقدم المؤسسة الآن، خدمة الإنترنت و"أي - ميل" التي بدأت عام 1996 بمشروع صغير جداً ومقصور على الجامعات ومراكز البحوث والدوائر الرسمية، وقد توسع مطلع العام الماضي لتصل سعته الى 1200 مشترك في الإنترنت و4000 في البريد الإلكتروني. أما المشروع الأساسي، الذي تصل سعته الى 50 ألف مشترك قابل للتوسع الى 200 الف بكلفة تصل الى نحو سبعة ملايين دولار، فمن المتوقع أن يطرح كمناقصة للقطاع المشترك والخاص. ولا يزال معظم السوريين يرتبطون بالإنترنت عبر لبنان ويقدر عددهم ب20 ألفاً. ويذكر أن عوامل عدة أسهمت في زيادة الطلب في صورة سريعة، خلال المرحلة الماضية، على الإنترنت في مقدمها جهود "الجمعية السورية للمعلوماتية" التي كان يترأسها الفريق الدكتور بشار الأسد، الذي يعتبر من أشد المتحمسين لدخول التقنيات الحديثة الى البلاد كالإنترنت والهاتف الخلوي. وكان تأخر دخول الهاتف النقال الى سورية يعزى الى رغبة الحكومة في إنجاز بنية تحتية هاتفية جيدة، إذ يشير المسؤولون الى "أن ليس من المنطق دخول الهاتف الخلوي في حين هناك الكثير من البيوت من دون هاتف عادي". وتشغل الهاتف النقال الآن شركتان هما "سيمينز" و"أنفيسكوم" من خلال مشروع تجريبي يستمر عاماً واحداً بسعة 60 ألف خط، منها 40 ألفاً في دمشق و20 ألفاً في حلب، على أن توظف عائدات المشروع التجريبي في تمويل المرحلة ما بعد التجريبية التي ستشمل سورية بكاملها. يذكر أن الإقبال على الاشتراك في المشروع التجريبي ضيق، ويعزى ذلك الى ارتفاع اسعاره مقارنة بالدول المجاورة، إذ يصل الاشتراك الى 60 ألف ليرة سورية 1200 دولار أميركي. ويصل عدد المشتركين حتى الآن الى 12 ألفاً، وتقوم المؤسسة، التي كانت تخطط للحصول على نحو 102 مليون دولار إيرادات من هذا المشروع لتغطية تكاليف المشروع الدائم، بإعلان عروض مغرية متتابعة منذ بدء التشغيل. واضطرت أخيراً الى إلغاء رسوم الاشتراك الشهري في خدمة الهاتف الجوال والبالغة 30 دولاراً، الى جانب منح دقائق اتصال مجانية بما يعادل 30 دولاراً شهرياً، إضافة الى خفض أجرة الدقيقة على الاتصال المحلي على الجوال بنسبة 50 في المئة لتصبح 5،3 ليرات، إضافة الى توسيع الشبكة لتشمل الريف المحيط بمنطقة البث في كل من دمشق وحلب وتوسيعه في اتجاه اللاذقية. ويعزو الخبراء في شركة "سيرياتل" المشرفة على تنفيذ المشروع ضعف الإقبال الى ارتفاع كلفة الاشتراك ومحدودية التغطية، إضافة الى إعلانها المسبق خفض اسعار الهاتف النقال الى اقل من النصف عند بدء المشروع الدائم.