الكتاب: "حكمة الكلدانيين - مقدمات ونصوص" المؤلف: حسن فاضل جواد جمع وتعليق الناشر: دار الحكمة - بغداد لئن كانت الحضارة الكلدانية: "آخر الحضارات الوطنية في العراق" إذ انهاها الاحتلال الأخميني القادم من ايران عام 539 قبل الميلاد، فالنصوص التي تركتها تظل على جانب كبير من الاهمية بوصفها نصوص آخر مرحلة من مراحل التطور الفكري في العراق القديم، ومنها انبثق التفكير الفلسفي متصلاً مع موروث معرفي تراكم عبر الحضارات العراقية القديمة: "السومرية والآكدية والبابلية والآشورية". وكتاب "حكمة الكلدانيين - مقدمات ونصوص" الصادر حديثاً في بغداد الذي جمعه وعلق عليه حسن فاضل جواد وراجعه عبدالأمير الاعسم يوفر فرصة لقراءة ريادة "الانسان العراقي القديم الذي عزم على حسم مرحلة الشك والدهشة" باثارته الاسئلة التي كانت "المحرك الاول للفكر الانساني". ويرى المؤلف ان منهج تفكير الانسان العراقي القديم اهتم بايجاد قوانين ومقولات لصوغ افكار عن "الآلهة، الطبيعة، الانسان والمجتمع" وصولاً الى خلق افكار عن الصراع والخير والعدالة والتجدد والقدر والمصير والحرية والارادة. ويسمي صاحب كتاب "حكمة الكلدانيين" حركتين لمنهج تفكير الانسان العراقي القديم هما: "الجدل الصاعد" الذي كان يرتقي بالتجربة الانسانية الى مصاف الآلهة و"الجدل النازل" الذي كان يمضي بالمعرفة في الاتجاه المعاكس، مؤكداً ان جهد الانسان العراقي ينصب على الارتقاء من الجزئي الى الكلي، ومن الفوضى الى النظام، ومن الحسي الى العقلي، ومن التجربة اليومية الى المفهوم المجرد على الصعيد الفكري العام، ومن الشر الى الخير، ومن الرذيلة الى الفضيلة، ومن الظم الى العدالة "على صعيد الفكر الاخلاقي". ويقول حسن فاضل جواد انه بعد دراسته لنتاج العقل العراقي القديم ومراحل تطوره تأكد له ان الألف الاول قبل الميلاد "حمل فكراً متميزاً" اكدته نصوص خلّفتها التنقيبات الآثارية، وتعود تلك النصوص الى نهاية الألف الثاني ومطلع الالف الاول قبل الميلاد ومن تلك النصوص: "الحوار بين السيد والعبد"، "لأمجدن رب الحكمة"، "حوار في العذاب الانساني"، "وصويا احيقار". هذه النصوص وغيرها ما كانت بعيدة من ميزتين هما الابرز بحسب صاحب الكتاب في الحضارة الكلدانية: التحديث الديني الموصول الى نشاطات عمرانية واستعادة المعابد لدورها كوحدات اجتماعية واقتصادية كبيرة. فضلاً عن الفكر التوحيدي الذي ميز ذلك العصر. نصوص الكلدانيين حللها الباحث جواد وعلّق عليها موضحاً اهميتها الحضارية والفكرية ومعتمداً على قراءة الاصول بحسب ما جاءت في اللغات الاجنبية ومتوقفاً عند ما أثبته باحثون واساتذة في تأثير الحضارة الكلدانية في اليونانيين والعبرانيين وخصوصاً بعد غزو الاسكندر المقدوني العراق وجهات اخرى من الشرق كانت وصلتها صور من الفكر العراقي القديم.