حازم صاغية. مثقفو المشرق العربي: من درايفوس الى غارودي. دار رياض الريس للكتب والنشر، بيروت. 2000. 271 صفحة. لا مراء في ان العنصرية بمعناها الحديث، ظاهرة اوروبية المنشأ. غير ان الظواهر، كما البشر والافكار، انما ترتحل الى حيث تجد تربة تنمو فيها وتزدهر. ولقد عثرت هذه الظاهرة على تربة كهذه في بلاد العرب، لا سيما في اوساط مثقفيها ودعاتها. اما كيف ازدهر هذا العداء العنصري الطابع في الثقافة العربية، فهذا هو موضوع دراسة الكاتب اللبناني حازم صاغية الكاملة "مثقفو المشرق العربي: من درايفوس الى غارودي". وهذه، في حدود معرفتي، اول دراسة من نوعها في هذا المضمار، وهي تستند الى عدد كبير من المصادر والمراجع العربية والانكليزية - وقد بلغت صفحات هوامشها خمسين صفحة - يعود صدور أقدمها الى نهاية القرن التاسع عشر واحدثها الى نهاية القرن الماضي. وعلى ما تشي المقدمة فهذا قسم أول سيليه قسم ثانٍ او اكثر. يمتد افق هذه الدراسة ما بين محطتين، تتمثل الاولى بموقف الشيخ رشيد رضا من "قضية درايفوس" التي ذاع شأنها عند منعطف القرن العشرين، وتتمثل الثانية في الموقف العربيّ الاعمّ، السلطوي منه والمعارض على السواء، من كتاب روجيه غارودي "الاساطير المؤسِسة للسياسة الاسرائيلية" الصادر قبل اعوام قليلة. وعلى مدى هذا الافق تظهر معالم رحلة انحطاط فكري واخلاقي، بدأت بنواة موقف موضوعي متسامح وانتهت بموقف جمعي انفعالي يقوم على إدعاءات واحكام عنصرية. ففي حين لم يتقاعس الشيخ رضا عن مناصرة الضابط الفرنسي ألفرد درايفوس الذي اتُهم بالخيانة ظلما وغياً من قبل سلطات بلاده، وسط حملة إعلامية عنصرية شنتها الصحافة الفرنسية في حينه مشهرة لا بدرايفوس وحده وانما باليهود عامة، لم يتوان الكثير من السياسيين والمثقفين العرب، بعد قرابة قرن على ذلك، عن الاحتفاء بكتاب غارودي. وما بين اندحار مشروع الاصلاح الدينيّ الذي حمل لواءه تباعاً الافغاني فمحمد عبده، وبين ظهور حالة نكوص الى ما هو وثني، سابق على ارادة البشر وثقافاتهم، تمثلت بشكل خاص في فكرة "القومية السورية" التي قال بها انطون سعادة وحزبه، باتت الدعاوى العنصرية سمة ملازمة لجلّ ما يُكتب ويُقال بالعربية في ما يتعلق بمشاكل الشرق الاوسط ونزاعاته. وعلى رغم ان فكرة "القومية السورية"، لهي سابقة تاريخياً على الكثير من التعاليم والدعاوى القومية التي نادى بها مثقفون عرب، وتبنتها حركات ونُظم سياسية منذ منتصف القرن الماضي، إلا ان الفكرة المعنية لتبدو المثال البراديم الذي استقته اشدّ الحركات الدينية أصولية وتطرفاً في صوغ تصوراتها المنادية بتأبيد حالة الحرب بإعتبارها الحالة الطبيعية ما بين متصارعين لا سبيل الى التوافق بينهم. وبحسب نهج التقصّي التاريخي الذي يتبعه صاغية فإن الترتيب الذي تخضع له الاطروحات لا يستوي تبعاً لنظام كورونولوجي، وانما تبعاً للموقع الذي تستحق الاطروحات المعنية احتلاله في مسيرة الانحطاط المذكورة. ومن المقاييس الحاسمة التي يستخدمها في تعيين موقع الاطروحات هذه هو مدى تأثرها، او تأثر اصحابها، بالفكر القومي الالماني المتراوح ما بين القول بالتمايز الثقافي وما بين التشديد على جوهرية التمايز العرقي والبيولوجي، بما يكشف عن نموذج لمسيرة انحطاط كتلك التي يتوخى صاغية الكشف عنها في الفكر القومي العربي. لذا فإن اسبقية الفكرة القومية عند ساطع الحصري على فكرة القومية السورية عند سعادة، ليست لزاماً اسبقية تاريخيّة انما هي اسبقية في سياق المسيرة المعنيّة: "فأنطون سعادة لم يتأثر عميقاً، كالحصري الذي ساجله، بالفكر الالماني للقرن التاسع عشر، بل تأثر بالانحطاط البيولوجي والعلموي الذي عرفه هذا الفكر مع الرايخ الثالث". فالردة السلفية على الاصلاح الديني انما بلغت ذراها في دعاوى سعادة العائد بتاريخ المنطقة الى الزمن السابق على المدنية، والى حيث التباين "الطبيعي" ما بين الجماعات المختلفة يقود لزاماً الى صراع لا ينتهي الا ببقاء طرف واحد. ومما يمكن استخلاصه من الفصول الخمسة لهذا الكتاب فإنه ليمكن القول ان عنصريّة المثقفين والسياسيين العرب نشأت من تضاعيف محاولة لتعريف الذات "القومية" ظلت قاصرة عن النقد وعاجزة عن التمهيد للانفتاح على العالم والتنبه الى تعقيداته وتناقضاته. ففي الفكر القومي نمت بذرة العنصرية وترعرعت. ولكن بما ان الوجه المقصود من الفكر القومي هو ذاك الذي يسعى الى تعريف للذات "الجمعية"، فعليّة كانت ام مُتخيّلة، إسلامية، عربية ام سوريّة، فإن جذور الظاهرة لتضرب عميقاً في الفكر الاصلاحيّ الديني. غير ان صاغية لا يتهم اصحاب هذا الفكر، لا سيما الافغاني وعبده، بالعنصرية. على العكس تماماً فهو حريص على التوكيد على براءتهما. كل ما في الامر، ان الاصلاح الديني بما هو دعوى ترسو على اساس من التوفيقية، كان لا بد ان يحاول الجمع بين اطروحتين متناقضتين: الاولى تحضّ على الانفتاح على العالم والاخذ بأسباب التمدّن، والثانية تتشبث بذات منغلقة مركزية، على إكتمال وصوابية، ما يجعلها تربأ عن النقد وتسمو عن اية حاجة الى إصلاح جذريّ. واذ ينتصر الجناح السلفي من اتباع وورثة المصلحين تكون الغلبة لاطروحة مركزيّة الذات المتحصنة ضد "الآخر"، وهو الغرب بطبيعة الحال، والمتعالية على الاطراف من اتباع المذاهب الأقليّة وابناء القوميات الاخرى. فإذا ما نُظر الى الامر من هذه الزاوية فإنه لا يعود من العسير عقد صلة وثيقة ما بين القائلين بذات إسلامية والقائلين بذات عربية. فعلى هذه البقعة يمكن ان يلتقي محمد عبده بالحصري. ولعل ما يعزز التشابه ما بين هذين الإثنين ان اياً منهما لم يكن عنصرياً. فإذا كان موقف عبده من اليهود، مثلاً، هو موقفه من اهل الكتاب عموماً، اي موقف تسامح من وجه وعدم تسامح من وجه آخر، فإن الحصري لم يتوان عن النظر الى اليهود كأمة، بل ان يتخذ من ماكس نورادو، القومي الألماني المنقلِب سريعاً الى الصهيونية، حجة من حججه القومية. الفارق الحاسم ما بينهما، بحسب موضوع الدراسة، ان الحصري في إتخاذه الفكر القومي الألماني مرجعاً، انما ذهب شوطاً ابعد من عبده في التمهيد لسبيل ظهور العنصرية في طابعها العربي. اما كيف امكن لمن هو غير كاره للآخر، ولمن استوت قوميته على اساس "مقدمات ثقافية لا عرقية"، ان يمهد فكره لظهور دعاوى عنصرية، فهذا ما ينبري صاغية لايضاحه من خلال محاجّة هي الاشدّ إمتاعاً للذهن، وان لم تكن اشدّها إقناعاً. ومجمل المحاجّة ان فكر الحصري يمضي في الإعلاء من شأن العناصر الثقافية الواقعة خارج حدود الارادة الانسانية، كاللغة والتاريخ ورابطة الدم، اعلاءً يؤدي الى الحط من شأن التاريخ الفعلي للكيانات السياسية العربية لصالح تاريخ مثاليّ، ومن ثم الى إقصاء اية امكانية لحياة سياسية دستورية فيها. فإذا ما اضفنا الى ذلك احتذاء الحصري للنموذج الالماني في ما يتعلق بالفصل ما بين الدولة والامة، بحيث تكون الاولى موضع هجوم الثانية - هجوماً كان من ابرز معالمه، بحسب حنة آرنت، إشهار العداء لليهود بإعتبارهم جزءاً من الدولة -، فإن هذا التوكيد على الفصل ليرسي اساس مشروع استبدادي وعنصري حينما تواتيه الظروف، "وما يعدو ذلك ان الامة هذه يسعها ان تحمل خصومها المفترضين على تبني صورتها عنهم، ومن ثم الولاء للهوية المزعومة التي أُلصقت بهم". وعلى هذا فإن التعاليم التي تنصّ على جوهرية العناصر الثقافية، حتميتها وتنزيهها عن اية مؤثرات زمانية ومكانية، لهي مما يقع على مبعدة خطوات قليلة من الإدعاءات العنصرية التي تميّز تمييزاً قاطعاً ما بين البشر وفقاً لاصولهم العرقية وهوياتهم الثقافيّة. وما التعظيم من شأن العوامل المذكورة الاّ ما يشجع على النكوص الى اصول، غالباً ما تكون اسطورية، بذريعة إستعادة طهارة فُقدت نتيجة الإختلاط بالاقوام الاخرى. ودعاة القومية عندنا لم ينفكوا يستنجدون بإرث اسلام عروبيّ لم يخالطه رجس شعوبيّ، كما كان همّ ميشيل عفلق الساعي الى نفيّ ذاته نفياً مطلقاً، او بالسعي الى إحياء صورة لعروبة جاهلية دمويّة ووثنية كما حاول الارسوزي، او اخيراً الإرتداد الى الطبيعة السابقة على اي مظهر لإرادة او ثقافة انسانيتين كما اسفر عنه الامر عند سعادة. يسوق صاغية دراسته في سياق سرديّ بحيث تبيّن فصوله المتعاقبة إمعان محاولة تعريف الذات إمعاناً متعاظماً في الإفصاح عما تنطوي عليه من افكار عنصرية. ومن ثمّ فإننا لنلمس تدرجاً في طبيعة العداء للآخرين من حالة الكامن الى حالة الظاهر. واذا ما ظل العداء عند الحصري طيّ الكامن فإنه ما فتىء ان صار مكشوفاً ومباشراً عند دعاة مثل الارسوزي وعفلق وزريق والعلايلي وعادل ارسلان ومحمد عزة دروزة وانطون سعادة. غير اننا نجد في حالة هؤلاء تأرجحاً في العداء للآخر ما بين صورة معدومة التماسك، مواربة، واخرى متماسكة وصريحة صراحة تبلغ حدّ البذاءة. فعنصرية الارسوزي ظلت بدائية ومشوشة قياساً الى عنصرية دروزة او سعادة، مثلاً، ممن حاول ارساء "عقلانية" ما لمزاعمها. فهو ما بين تفضيل الساميين على الآريين، من جهة، ومابين تفضيله العرب على سواهم من الاكراد والفرس والاتراك واليهود، من جهة ثانية، بدا وكأنه يحابي اليهود مرة ويزدريهم مرة اخرى. الى ذلك فإن الرجل في انتمائه الى خطابية قومية تصوّب نيران بلاغتها على الاستعمار، وليس الآخر المحلي، فإنه حتماً لم يستسغ التمرغ في وحول الخرافات العنصرية والمعادية للسامية الأشدّ فظاظة. وينطبق الامر بهذا المقدار او ذاك على عفلق وقسنطنطين زريق. فأحياناً إتخذ الاول من العنصرية وسيلة لمحاربة خصومه الشيوعيين، بينما ظلت عند الثاني ملجومة بفعل تأثره بفكر نهضويّ ليبرالي الطابع. هذا مع العلم ان الليبرالية نفسها لا تنجو من شبهة عنصرية مخففة، وهو ايضاً ما خلّف اثره على زريق. فإذا ما جئنا الى امثال محمد عزة دروزة وانطون سعادة فإننا لنقع على دعاوى عنصرية عارية وبذيئة فضلاً عن تماسكها تماسكاً ايديولوجياً يفترض ان كل ما يخالفها لهو بمثابة إقرار بالخيانة او إعراب عن إنعدام سويّة. فيُسقط دروزة اية امكانية صلح ما بين العرب واليهود، لأن نفوس اليهود تنطوي على "وحشيّة ولصوصية وغدر وتحدٍ واستهتار وعدوان وانتهاك حرمات..."، بل انهم "جرثومة خبيثة" لا خلاص منها الاّ بإجتثاثها إجتثاثاً. اما سعادة فيوصي بتعاليم تستوي على اساس من التعيين الايديولوجيّ الصارم والثابت. ف"الزعيم" المرتد الى زمن وثنيّ سحيق، بكل ما يرافق هذا النكوص من شارات ورموز وطقوس تعززه، كان لا بد له من الطعن بالدعوى التوحيدية التي كانت اليهودية أول من بشّر بها". وبذا فإن اليهود لهم الأحق، من حيث الاسبقية على الاقل، بالعداء طالما انهم جاؤوا بتعاليم تخالف تعاليمه القائلة بوجود اعراق وسلالات متناحرة تناحراً لا فكاك منه ولا مهرب. صحيح ان سعادة عمد الى احتضان المسيحية والاسلام والتوفيق ما بينهما، وهما ديانتان توحيديتان، الاّ انه لجأ الى ذلك على اساس انهما ظاهرتان جاز لهما الاندماج في النسيج السوري الاصيل، بل ان اندماجهما هذا وحده لهو ما يجعلهما خليقتين برضا "الزعيم". اما اليهودية، فلاسباب ايديولوجية ودينية اي وثنية سعادة المعادي للتوحيد، ومسيحيته المعادية ل"قتلة الرب"، ولاسباب سياسية تمخض عنها الصراع العربي الاسرائيلي، فقد أجاز سعادة لنفسه ان يسقطها بإعتبارها خارجة عن "مبدأ الخير العام". حريّ بالإضافة ان احتضان سعادة للمسيحية والاسلام لم ينجلي عن تسامح تجاه الامم الاخرى، وهو مما تحض عليه الديانتان المذكورتان، بل على النقيض من ذلك: فهو بعدما جرّدهما، خصوصاً الاسلام، مما ينصّان عليه من شرائع فإنه لم يجد غضاضة في الاصرار على أن السوريين لهم سلالة ارقى من العرب والافارقة والآسيويين. واننا لنجده يزاوج ما بين "الحضارة السورية" والحضارة اليونانية بحيث يدفع عن "السلالة المختارة" شبهة السمة الشرقية المرذولة، ومن ثم يدرجها في خانة الاوروبيين، بالغاً مبلغاً من تبني المزاعم الكولونيالية العنصرية لم تبلغه سوى النازية. ولن يكون من المستغرب بعد ذلك اذا ما رأى سعادة أن الشرّ يهودي، بعدما كانت المعادلة تقتصر على ان اليهود اشرار. وإذ ينحو صاغية نحو رصد التعاليم والدعاوى العنصرية من خلال تتبّع سير أبرز مفكري القومية العرب، فإن دراسته هذه لتدخل في ميدان تاريخ الافكار. ولكن حيث ان المختصين في الفكر القومي عموماً يميلون غالباً الى التقليل من شأن الدور الذي يمكن لهذه التعاليم ان تلعبه، بإعتبارها "محض انشاء ادبيّ"، على حد تعبير المؤرخ البريطاني إريك هوبسبام، فإن هذا ليجيز الظن بأن دراسة صاغيّة تنطوي على مبالغة كبيرة في حجم ودور الفكر القومي في الحياة السياسية والمجتمعية العربية. والحق يُقال فإن قارىء كتاب "مثقفو المشرق العربي" ليستشف صورة لدعاة القومية كمجرد حفنة من أدعياء العظمة. بل ان بعضهم لأقرب شبهاً بالشخصيات القصصية منهم الى كائنات فعليّة. فميشيل عفلق يبدو وكأنه شخصية خرجت من احدى الروايات الوجودية، اما انطون سعادة فيبدو التجسيد المعاصر للفارس ذي الوجه الحزين، دون كيخوته. ثم أليس في مهزلة النهايات التي انتهوا إليها ما يدلّ على ان عقائدهم وتعاليمهم لم تكن سوى صور كاريكاتورية؟ بيد ان حازم صاغية الناشىء والقادم من بيئة قومية أنظر نصه الادبي البديع في العدد الاحدث من مجلة "ابواب" لا يكتفي بتناول ظاهرات العنصرية كجملة دعاوى واطروحات مجردة. فهو اولاً يرى إليها في سياق سير اصحابها، متطرقاً بذلك الى اصولهم الاجتماعية ومناصبهم وادوارهم المهنية، بل انه في كثير من الاحيان يُسلط الضوء على ما كان يعتمل في نفوسهم من مشاعر وانفعالات متضاربة وعقد نقص لم تن تظهر على سطح كتاباتهم. الى ذلك فإنه يرد هذا السياق الذاتيّ نفسه الى سياقات مجتمعية وسياسية أعمّ. فنحن اذا ما إكتفينا بربط تعاليم الحصري، على سبيل المثال، بسيرته الذاتية فقط، جاز لنا الخلوص الى أنها اشبه بعملية إستظهار لبعض مقالات الفكر الألماني الذي تأثر به اشدّ التأثر، وهو امر غير مستبعد طالما انه تقليد ما انفك المثقفون العرب يقبلون عليه، من دون حرج كلما تعرّفوا الى افكار هذا الفيلسوف او ذاك. بيد اننا اذا ما رأينا إلى تلك التعاليم في سياق تاريخيّ إتسم بفشل مشروع الإصلاح الديني وإنهيار السلطنة العثمانية فضلاً عن إخفاق محاولات إحياء السلطنة على اساس مركزية عربية، ادركنا سرّ رواجها واهميتها. وإذا ما اخذنا بعين الحسبان رهان الحصري على التعليم والتربية في ضوء المهام التربوية التي تولاها هو واتباعه من بعده، ادركنا ان تعاليمه لم تبق بعيدة عن الترجمة العملية في الحياة السياسية والثقافية العربية، لا سيما في العراق. وعلى ما يُلاحظ المؤلف فإن سامي شوكت، احد تلامذة الحصري ممن قُيض لهم تولي مديرية التعليم بعد استاذه، "بشّر وعلّم وربىّ الفتيان والشبيبة في العراق على مثال نازيّ صريح". وهذا ان دلّ على امر فإنما يدل على ان الافكار والاطروحات والتعاليم القومية، او "الانشاء الادبي" بحسب هوبسبام، ليست بريئة من ولادة وشيوع ظواهر ثقافية وسياسية على مستوى القاعدة كما بين اوساط المثقفين. فهي اذا ما قيضت لها الترجمة العملية من سبيل الى إدارات الدولة او الاحزاب السياسية او المنظمات الإجتماعية او الحركات دينيّة، كان دورها في صياغة المواقف السياسية والثقافية لا يقل عن اي عامل ملموس وعملي. وظاهرة العنصرية العربية لهي نتيجة فكر يدفع العديد منا الى إتخاذ مواقف مناقضة لما تستدعيه المقتضيات العملية والمصلحة المشتركة. فنحن اذ نحتفي بروجيه غارودي وديفيد ايرفنغ وغيرهما من الساعين الى تبرئة النازية مما اقترفته من جرائم فظيعة بحق اليهود، إنما، وخلافاً لما تسدعيه مصالحنا، نناصر النازيين الجدد ممن يدعون اليوم صراحة الى طرد المسلمين والعرب والافارقة والآسيويين عموماً من اوروبا.