"دافوس": السعودية استعرضت إنجازات "رؤية 2030" وناقشت حلولاً لتحديات العالم    القبض على (4) أشخاص في القصيم لترويجهم مواد مخدرة    بعد موافقتها على عودة النازحين لشمال غزة.. إسرائيل تطالب بمعلومات عن 26 محتجزاً    زيلينسكي: لا محادثات سلام ناجحة مع روسيا دون أوكرانيا    روسيا: تخفيض سعر العملات أمام الروبل    الشركة تعتذر والرابطة تبحث عن جدولة جديدة    آل الشيخ يلتقي رئيس وفد مملكة ماليزيا المشارك في مؤتمر آسيان الثالث    جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل تُتوّج بكأس ألعاب قوى الجامعات    "البيئة" تؤكد وجود منظومة متكاملة لضمان سلامة اللحوم وجودتها في المملكة    "على ظهور الإبل" رحّالة بريطانيين يقطعون 500 كم داخل محمية الملك سلمان الملكية    مدير تعليم جازان يرفع التهنئة للأمير محمد بن عبد العزيز بمناسبة تمديد خدمته نائبًا لأمير المنطقة    محافظ صامطة يدشن ليالي المحافظة الشتوية ضمن فعاليات شتاء جازان    ضيوف الملك: ريادة المملكة عالميا فخر للمسلمين    250 زائرا من 18 دولة أفريقية يزورون مجمع الملك فهد لطباعة المصحف    بطل الشتاء.. زعامة أم عمادة    عبور 54 شاحنة إغاثية سعودية جديدة مقدمة للشعب السوري الشقيق منفذ جابر الأردني    الفتح يسافر إلى الرياض لمواجهة النصر    «المنافذ الجمركية» تسجل أكثر من 950 حالة ضبط خلال أسبوع    نيو للفضاء توقع مذكرة تفاهم لتعزيز الابتكار الجيوفضائي بالمملكة    الهند تحقق في مرض غامض أودى ب17 شخصاً    الداخلية : ضبط (22555) مخالفاً لأنظمة الإقامة والعمل خلال أسبوع    ختام منافسات بطولة البلوت بواحات المذنب    بأمسياتٍ روائيةٍ وتجارب تفاعلية.. الإعلان عن «مهرجان الدرعية للرواية»    الخليج يخشى الأخدود .. الوحدة يواجه الاتفاق    تقلل خطر الإصابة لدى النساء.. ثورة واعدة لعلاج سرطان عنق الرحم    استمرار هطول أمطار على عدد من مناطق المملكة    ترمب يغيّر اسم خليج المكسيك    كائنات مخيفة تغزو جسد رجل !    مصر: التحقيق مع فرد أمن هدد فنانة مصرية    حورية فرغلي تستعد لتركيب «أنف اصطناعي»    130 شاحنة مساعدات تدخل لقطاع غزة    عمال يحصلون على 100 ضعف رواتبهم.. ماذا كنت ستفعل لو كنت مكانهم؟    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على تراجع    الموسيقار العالمي هانز زيمر يبهر جمهور "موسم الرياض" في ليلة ابداعية..    غوتيريش يدين احتجاز الحوثيين لسبعة من موظفي الأمم المتحدة    محمد بن عبدالعزيز يشكر القيادة لتمديد خدمته نائباً لأمير جازان    «ميتا» تعتزم استثمار أكثر من 60 مليار دولار في تطبيقات الذكاء الاصطناعي    الشباب يحصل على شهادة الكفاءة المالية    "الأهلي" يكشف أساطيره في "أسبوع الأساطير"    بعد «سره الباتع».. فيلم جديد يجمع رانيا التومي مع خالد يوسف    شامخات القصيد في معرض الكتاب بالقاهرة.    الربيعي تحصل على المركز الثاني في مسابقة بيبراس للمعلوماتيه    مدرب الأهلي "ماتياس": الجميع يعمل لتدعيم صفوف الفريق    مدير عام تعليم الطائف التعليم استثمار في المستقبل وتحقيق لرؤية 2030    منح وزير الشؤون الإسلامية وشاح الطبقة الأولى للشخصية الإسلامية العالمية المؤثرة لعام 2024    محمد بن عبدالعزيز يشكر القيادة بمناسبة تمديد خدمته نائبًا لأمير جازان    الأمير محمد بن سلمان يُعزي ولي عهد الكويت في وفاة الشيخ فاضل الصباح    أمير حائل يرفع الشكر للقيادة بمناسبة تمديد خدمته أميرًا للمنطقة    40 ألف ريال تكاليف ليلة الحناء    ترمب يلغي الحماية الأمنية عن فاوتشي: «ليحمي نفسه»    القصيبي مسيرة عطاء    عبد العزيز بن سعد يشكر القيادة لتمديد خدمته أميراً لحائل    آل سمره يقدمون شكرهم لأمير نجران على تعازيه في والدهم    أكثر من 20 ألف جولة رقابية تنفذها بلدية محافظة الأسياح لعام 2024م    %2 نموا بمؤشر التوظيف في المملكة    أعطته (كليتها) فتزوج صديقتها !    ترامب يعيد تصنيف الحوثيين ك"منظمة إرهابية أجنبية"    الإرجاف أفعى تستهدف بسمّها الأمن الوطني..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مكانة الأمة في الثقافة العربية الحديثة ... كما تجلّت في فلسفة ناصيف نصار
نشر في الحياة يوم 12 - 02 - 2018

تعرّف الأمة بأنها مجموعة من الناس يرتبطون في ما بينهم بجامع مشترك، أو جوامع عدة كاللغة والأصل المشترك، والدين والتاريخ، كما يرتبط هؤلاء في ما بينهم بالمصالح المشتركة والغايات الواحدة، ويقطنون بقعة من الأرض تحكّم بسيادتها دولة معترف بها دولياً.
نشأ مفهوم الأمة مع زوال الخلافة العثمانية كناظم لدولة إسلامية، وتبلور في القرن التاسع عشر مع رجال النهضة الذين حاولوا الهروب من التتريك بابتعاث فكرة الأمة العربية، وازداد هذا المفهوم تبلوراً في الخمسينات من القرن الماضي مع صعود المدّ القومي الذي كان من دعاته ساطع الحصري وزكي الأرسوزي وميشال عفلق.
تحوّل مفهوم الأمة مع أصحاب المدّ القومي من فكرة عاطفية تلهب وجداناً متبرماً من العثمانيين ومن سياسة التتريك على وجه خاص، إلى أيديولوجيا كانت بمثابة مادة مثالية لتعبئة الجماهير الناقمة على السياسات، الكولونيالية في البلاد العربية، وتزويدها برؤية إلى المستقبل قوامها توحيد الأمة العربية التي مزّقتها التجزئة والاحتلال.
يتناول كتاب المفكر اللبناني ناصيف نصار «تصورات الأمة المعاصرة – دراسة تحليلية لمفاهيم الأمة في الفكر العربي الحديث والمعاصر» موضوعاً واحداً من موضوعات الأيديولوجية القومية كشف نصار من خلاله أن فكرة الأمة بمعناها الاجتماعي، ليست من الأفكار التي استمدّها الفكر العربي الحديث من التراث الغربي كفكرة الدستور، والحرية، كما كشف أن هناك تمايزاً قاطعاً بين الأمة بمعناها الديني، والأمة بمعناها الاجتماعي.
مناهج متداولة
استرشد نصار في قراءته التراث المكتوب عن الأمة بالمناهج المتداولة في العلوم الاجتماعية والسياسية التي تعمد إلى تحليل الخطاب في مضمونه ودلالته ومسار برهنته. مناهج تقوم على تحليل نسق المقومات أوّلاً، ثم نسق العلاقات ثانياً، ثم نسق العوامل ثالثاً، ونسق الوظائف رابعاً. أما من الناحية الشكلية فقد حصر نصار التصورات التي بحثت في مفهوم الأمة في أربع مجموعات: التصورات الدينية، التصورات اللغوية، التصورات الإقليمية والتصورات السياسية.
تحتلّ عند نصار التصورات الدينية المرتبة الأولى، وهي تصوّرات تسعى إلى إخراج المسلمين من حالة الانحطاط والتخلف والتمزق، والعودة بهم إلى ما كانت حالهم في صدر الإسلام، وقد مثّل هذا التصور خير الدين التونسي، وجمال الدين الأفغاني أفضل تمثيل، وتجلّى أكثر ما تجلّى عند جماعة «الإخوان المسلمين» التي ترأسها الشيخ حسن البنا الذي يبني تصوره للأمة على أساسين، فهي أمة دين وأمة دولة، والوحدة الإسلامية عنده هي وحدة الأمة الإسلامية دينياً وسياسياً كما كانت في بداية الأمر.
التصورات الثانية التي تقوم عليها الأمة وفق ما يرى نصار، هي التصورات اللغوية التي تقوم على اعتبار اللغة أو اللسان مقوماً ومحدداً أساسياً لكيان الأمة. ويقضي هذا التصور بتشكّل أمة واحدة، وقومية واحدة، ووطنية واحدة، تحت سقف لغوي واحد، ومن دون اعتبار لتباين تقاليد الأقاليم وعاداتها، وتباعدها وتعدّدها، مثّل هذا الاتجاه المعلم بطرس البستاني ورفاعة رافع الطهطاوي وحسين المرصفي، وتجلّى أكثر ما تجلّى عند ساطع الحصري الذي يعتبر أن الوطن قطعة من الأرض، والأمة جماعة من الناس، والوطنية هي حب الوطن، والشعور بارتباط باطني نحوها، من هنا تكون الوطنية والقومية ظاهرتين نفسيتين اجتماعيتين، والوطن والأمة واقعين موضوعيين. أما اللغة فهي روح الأمة وحياتها، إنها بمثابة محور القومية وعمودها الفقري. وتجلّى التصور اللغوي أيضاً عند زكي الأرسوزي الذي يرى أن الصفة الأساسية للأمة، والمميزة لها من غيرها هي لغتها. في كلام آخر، يضفي الأرسوزي على اللغة أبعاداً بنيوية اجتماعية ميتافيزيقية لا توجد عند غيره من أصحاب فكرة اللغة - الأم. ميشال عفلق هو أيضاً ينضوي في صفوف أصحاب التصور اللغوي، فهو يرى أن اللغة هي الرابطة التوحيدية الأولى بين العرب في حين أن الوحدة العنصرية، أو الدينية أو الثقافية أو التاريخية تأتي كلها في الصف الثاني، ولكن كما يردّد عفلق وحدة اللغة غير كافية لتشكيل وحدة قومية تامة، لأن هذه تتطلب إرادة ودولة قومية واحدة.
تصورات اقليمية
التصورات الثالثة التي تقوم عليها الأمة حسب نصار هي التصورات الإقليمية التي تسعى إلى جعل الإقليم (رقعة جغرافية واسعة) الوطن محدداً أساسياً للأمة، وهذا ما طرحه المعلم بطرس البستاني الذي يرى أن الانتماء الإقليمي الوطني يختلف عن الانتماء الديني والطائفي واللغوي، إذ إن الانتماء الديني ينحصر بين الإنسان وخالقه، والانتماء الطائفي يجب أن يتنزّه عن التعصب والانغلاق، أما الانتماء اللغوي فإنه ضروري لتوحيد أبناء الوطن.
وقد بذل البستاني جهوداً كبيرة لإحياء اللغة العربية وتحديثها، لما يعتقده من أن الرابطة اللغوية تخلق نوعاً أكيداً من الوحدة المعنوية، وإن كانت عنده هي الأعمق والأقوى، وفعلها لا يناقض الرابطة الوطنية.
التصورات الرابعة هي التصورات السياسية للأمة التي تتحدّد بالإقليم الوطن، أولاً، وثانياً الدولة الواحدة المتطابقة مع حدود الإقليم الوطن. رفاعة رافع الطهطاوي أوّل من عبّر في الفكر العربي الحديث عن هذا التصور للأمة. تصور استقاه من التصور الفرنسي. وتبعه في الدعوة إليه البستاني وأنطون سعادة الذي رأى أن المحدّد الأساس للأمة هو الإقليم، أو البيئة الجغرافية الواحدة، وليس الرابطة العرقية، أو الإرادة والمصلحة. الإقليم أو الأرض عند سعادة تكيّف الإنسان، وهو يكيّفها بدوره، ولكن على رغم أهميتها في تكوين الأمة ليست كافية لتعيين هوية الجماعة، ومجرى تاريخها. ذلك أنه لولا الأرض وطبيعتها وجغرافيتها لما كان هناك وجود لأمم كثيرة. ويرى سعادة أن وحدة اللغة عامل تكميلي في نشوء الأمم، لأن اللغة وسيلة من وسائل قيام الاجتماع، لا سبب من أسبابه. أما في شأن ظاهرة الدين فإن سعادة لم يحدّد الأمة برابطة العقيدة الدينية، أو برابطة أخرى تتفرع عن الدين، لكنه لم يجرّده من التأثير في تكوين الأمم وإكسابها القوة والتجانس الروحي، ويزيد سعادة على اللغة والدين في تكوين الأمة، العادات والتقاليد.
اللغة والتفكير
لم تنل التصورات السياسية للأمة ما نالته التصورات الدينية واللغوية والإقليمية من جدال واهتمام في الفكر العربي الحديث والمعاصر، ولعل السبب يعود إلى الخلط بين الجوانب السياسية للفكرة القومية، ودور الدولة كعامل مكوّن للأمة. إن طرح الدولة كعامل تكويني للأمة يقابله طرح اللغة، أو الإقليم، أو الدين كرابط انتماء. لكن جدالية الأمة والدولة تتجاوز هذا التقابل، ويمكن تتبع ذلك من خلال تصورات تذهب من الدولة إلى الأمة بدل العكس. وهذا المنحى يتجلّى في كتابات أديب اسحق ومن بعده كمال الحاج الذي لا يمكن الفصل عنده بين اللغة وتفكيره في الأمة والقومية. فهو يرى أن الإنسان ابن القومية جبراً، ابن أرض معينة، واقتصاد معين، وتاريخ معين، ولغة معينة. خارج هذه الأطر المجتمعية، لا يمكن الإنسان أن يتعافى ويتأنسن.
من يتمعّن في قراءة كتاب نصار عن الأمة في طبعته الجديدة يكتشف مقدار غنى هذا الرجل فكرياً وثقافياً، فهو ينتقل بحرية بين تيارات الفكر السياسي الأوروبي الحديث، وتيارات الفكر السياسي العربي الحديث، مجادلاً في دور العامل الديني واللغوي والاقتصادي في تكوين الأمم، مستعرضاً باستفاضة تجارب التوحيد على أساس الأمة في بلادنا، على نحو يضعنا في حالة تقدير لفيلسوف عربي طويل الباع في القول الفلسفي الحديث والمعاصر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.