أجمعت معظم القيادات اللبنانية، الرسمية والسياسية، على وجود رابط بين تحرّك المجموعات المسلحة المتطرفة في جرود الضنية، والآمال المعقودة على استئناف المحادثات السورية - الاسرائىلية برعاية الولاياتالمتحدة الاميركية، من أجل التوصّل الى سلام عادل وشامل. ورأت ان تحرّكها يأتي في سياق شعورها ان نجاح المحادثات التي تشكل أصعب الحلقات في الصراع العربي - الاسرائىلي من شأنه ان يؤدي الى عزلتها ما لم تعد النظر في السياسات التي تتّبعها. وأكدت قيادات لبنانية ل"الحياة" ان اختيار لبنان ساحة لارباك الوضع، "لم يأت من باب المصادفة، بل ان المتطرفين أحسّوا بأن نجاح المفاوضات سيضيّق عليهم الخناق السياسي، وبالتالي لا بدّ من خوضهم مغامرة أمنية - سياسية، وفي يقينهم ان لبنان يعتبر الحلقة الأضعف، وهذا ما فسّر التوقيت الذي اعتمدوه على عتبة الاستعداد للجولة الثانية من المحادثات في شيبردزتاون الاميركية". ولفتت الى ان الجماعات المسلحة "اختارت ايضاً التوقيت الذي يسبق دعوة لبنان الى استئناف المفاوضات في حال سمحت النتائج على المسار السوري له بأن يقلّع مع ضمانات بعدم العودة الى الوراء. وراهنت على قدرتها على ان تمنع لبنان من ان يلتقط أنفاسه وهو يباشر استعداداته لاحتمال تحريك مساره التفاوضي، فاصطدمت بحائط مسدود منعها من ان تحقق أغراضها، ونجح الجيش اللبناني، على رغم الشهداء الذين سقطوا في صفوفه أو بين المدنيين الأبرياء، في ان يحبط مخططها، مدعوماً بغطاء سياسي لم يقتصر على الشق الرسمي بل امتدّ الى القوى السياسية ومنها المعارضة التي بادرت بالتعاطي بمسؤولية معتبرة ان ما حصل لا يستهدف الموالاة، انما الجميع من دون استثناء". وكان يُفترض بالحكومة - على حدّ قول بعض القيادات - "ان تبادر بمكاشفة اللبنانيين بالنيات المبيتة لدى الجماعات المسلحة، متجاوزة بذلك فرضية التعرّض للاستقرار العام الى المخطط الذي رسمته من خلال اغراق البلاد في إرباك أمني وسياسي، خطورته في تزامنه مع المفاوضات لتحريك العملية السلمية، خصوصاً ان رئيس الجمهورية أميل لحود تناول الحدث في جرود الضنية في المواقف التي صدرت عنه أو نقلها زواره من هذه الزاوية بالذات، بدلاً من استحضار الماضي والخلافات القائمة، كمادة تستخدم في الخطاب السياسي الذي يتوجب على أصحابه ان يكونوا في مستوى خطورة ما حصل في جرود الضنية". والواضح في هذا السياق ان البعض، وإن في صورة غير رسمية، أخذ يغمز من قناة رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري وكأن المعارضة تتحمّل مسؤولية إشاعة المناخ السياسي غير الطبيعي الذي سبق بدء مطاردة المجموعات المتطرفة، بدلاً من التركيز على المسؤولية التي يتحملها الجميع لتوفير مناخ هادىء بغية رسم السقف الوطني المطلوب لمواجهة كل التحديات المترتبة على احتمال التوصل الى تسوية سلمية في المنطقة. وفي رأي مراقبين ان "هذا البعض الذي لا تروق له الدعوة الى رصّ الصفوف من خلال وقوف الموالاة والمعارضة في خندق واحد، يحاول الآن في شكل غير علني التشكيك في هذا الفريق أو ذاك لاهداف لا تخضع للحسابات الرسمية، خصوصاً ان الرئيس لحود كان واضحاً في موقفه في الرسالة التي وجهها الى اللبنانيين عشية عيد الاستقلال". ويعتبر هؤلاء المراقبون "أي محاولة تقود الى التشكيك في الاجماع الوطني، على أنها ليست أبعد من اجتهادات إعلامية تتعارض والتوجه الوطني الذي رسمه لحود فضلاً عن ان القراءة الأمنية والسياسية لحوادث الضنية أجمعت على ان كل الحلقات التي تحاول اطاحة الاستقرار ما هي الا حلقات مترابطة بصرف النظر عن هوية منفّذيها". واذا كان رئيس المجلس النيابي نبيه بري سارع الى تبنّي البيان الصادر عن مجلس المفتين برئاسة مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ محمد رشيد قباني، معتبراً ان هناك ترابطاً بين الحوادث المتعددة التي شهدها لبنان، فان رئيس الحكومة سليم الحص يحاول من حين الى آخر الدفاع عن موقف حكومته في الردّ على الحملات التي تحدثت عن ان حضورها لم يكن كما يجب. دفاع الحص وفي هذا الصدد، قال الحص أمام عدد من الصحافيين الذين زاروه في منزله مهنئين بعيد الفطر السعيد "ان اللبنانيين أثبتوا أنهم مع نبذ العنف وضد عودة الحرب، لكن الحوادث أظهرت انقساماً مذهبياً طائفياً لا بدّ من التعاون لتبديده، اضافة الى أنها أعطت حيال الخارج صورة سلبية عن لبنان نأمل بأن نتجاوزها، بعدما نجحنا في منع ضرب الاستقرار". وتطرّق الحص الى حادث السفارة الروسية. واستغرب ردّ الفعل الروسي الرسمي، وقال "ان الأجهزة الأمنية نجحت خلال ثلاث ساعات في قتل الشخص الذي حاول الاعتداء على السفارة واستشهد عنصر من قوى الأمن الداخلي ولم يصبّ مقرها بزذى، فلماذا الحديث عن وجود تقصير؟". وردّ على الذين تحدثوا عن غياب الحكومة أثناء حوادث الضنية. وقال انه كان أول من علّق عليها وأمّن تغطية للجيش وأيد منع المجموعات المسلحة من العبث بالأمن، في وقت تردد البعض في التعليق عليها وتأخّر موقفه اياماً، ربما لاعتبارات انتخابية. وغمز الحص من تحامل بعض وسائل الاعلام مرئية ومسموعة ومقروءة عليه. وقال انها "استغلّت ما نقله النواب عن الرئيس بري انه دعاني الى اصدار بيان توضيحي لما يدور في جرود الضنية، وأنا بادرت بالطلب من مديرية التوجيه في الجيش اللبناني ضرورة اصدار بيانات تفصيلية عن سير الوضع على الارض لان هذا من اختصاص المؤسسة العسكرية وليس من اختصاصي". واضاف "تعاملوا مع كلام الرئيس بري كأن الحكومة مقصّرة، وراحوا يبنون عليه التحليلات السياسية، إني أؤمن بحرية الاعلام وأرفض التعرّض لها، لكن ما نقرأه ونراه ونسمعه عبر بعض الوسائل لا علاقة له بممارسة هذه الحرية". واستمع الرئيس الحص الى الملاحظات التي أبداها عدد من الحضور في شأن البيان الذي أذاعه وزير الاعلام أنور الخليل في نهاية الجلسة الاستثنائية لمجلس الوزراء وتمنّوا عليه لو ان الوزير ضمن بيانه ما قاله كل من رئيسي الجمهورية والحكومة وبعض الوزراء عن أحداث الضنية لأن ما قيل في الجلسة يعتبر موقفاً سياسياً لا بد من ابرازه الى العلن ليكون الجميع على إلمام به". وتدخّل احد الحضور حاملاً على "من يغذون النعرات المذهبية والطائفية" فأيده الرئيس الحص. واللافت ان العلاقة بين رئيس الحكومة وسلفه رفيق الحريري لم تغب عن بال بعض الذين غمزوا من قناة الاخير في أكثر من محطة أثارها في "مداخلته" عن أحداث الضنية. موقف الحريري وفي المقابل نقل زوار الحريري عنه أنه كان يتمنّى "لو ان الرئيس الحص التقط الاشارات الايجابية التي بعث بها في الافطارات التي أقامها عندما أكد أنه يدعم رئيس الجمهورية والحكومة وقيادة الجيش في كل الخطوات المتخذة لاستئصال بؤر التوتر"، وان "لا معارضة ولا موالاة في الوقت الحاضر، فالجميع يجب ان يكونوا في صفّ واحد في هذا الظرف الدقيق". وتابع الحريري بحسب زواره "أقصد بكلامي على الموالاة والمعارضة، الدعوة الى تطبيع العلاقة بين الجميع، شعوراً مني ان التعرّض للاستقرار خط أحمر، وان العودة الى أجواء الحرب ممنوعة، في وقت يواكب الجميع المحادثات السورية - الاسرائىلية ويدعم الموقف السوري". وأكد انه سارع الى اتخاذ موقف داعم للشرعية من احداث الضنية، "لان على المسلمين ان يبادروا بادانة ما تقوم به المجموعات المغامرة بمصير الوطن، فالجميع يتحدث عن انتهاء الحرب في لبنان ولا يتذكر كيف بدأت واستمرّت سنوات، ولو اتخذنا جميعاً موقفاً موحداً لما كانت هذه الحوادث البسيطة تؤدي الى اندلاعها". ويفهم من تفسير الزوار لكلام الحريري انه لو التقط الحص مبادرته، لكانت الظروف مؤاتية لفتح صفحة جديدة خصوصاً ان التحديات التي يواجهها لبنان وسورية تتجاوز الحسابات المحلية الى ما هو أشمل، وتتعلق بالتحضير لمواجهة المنافسة مع اسرائيل في حال أدت المفاوضات الى سلام عادل ينهي الصراع العسكري لتبدأ المنافسة الاقتصادية.