اللافت أن الهمّ الأساسي لنواب "حزب الله" المنضوين في كتلة الوفاء للمقاومة كان خارج الجلسات النيابية المخصصة لمناقشة الموازنة، وهذا ما يفسر التزامهم الهدوء غير المعتاد في المناقشة على خلاف موقفهم في المناقشات في الجلسات الماضية والعهد السابق، إذ أنهم اعتادوا وباعتراف الجميع لعب دور رأس الحربة في مناوءة الحكومات التي ترأسها الرئيس رفيق الحريري. وحاول بعض النواب رصد أسباب اكتفاء نواب "حزب الله" بمناقشتهم الأكاديمية للموازنة، من دون أن يغيب عن بالهم التذكير بمطالب المناطق المحرومة والإشادة بموقفي رئيسي الجمهورية إميل لحود والحكومة سليم الحص من دعمهما للمقاومة وتأكيدهما التلازم بين المسارين اللبناني - السوري. ولم يتمكن البعض من معرفة الدوافع التي أملت على نواب الحزب تمييز موقفه بمغادرة هؤلاء قاعة الجلسات اثناء التصويت على الموازنة، تماماً كما فوجئت الحكومة التي لم تكن تتوقع غيابها وكانت تحتسب اصواتهم في عداد المؤيدين. وفي معلومات "الحياة" ان مداخلات نواب الحزب في الجلسات كانت عادية، إذ تجنبوا أي موقف حاد أو أي هجوم على المعارضة، على خلاف الموقف الذي صدر عن رئىس المكتب السياسي للحزب النائب محمد رعد عشية بدء المناقشات، إذ اعتبر "ان التصريحات والمماحكات في شأن الموازنة لا تدور عليها بل هدفها تحصين مواقع البعض خوفاً من فتح ملفات هنا او هناك او اقتحام جهة لجهة اخرى والدخول في لعبة السياسة اللبنانية على قاعدة قم لأجلس مكانك". وفسّرت مصادر سياسية عدم تقيّد الحزب بالسقف الذي رسمه رعد بالرغبة في عدم تصنيفه في خانة الموالاة المطلقة او الإلتصاق بالمعارضة ليبقي على موقفه في منتصف الطريق بين الفريقين. وأكدت "ان الحزب أراد الاحتفاظ لنفسه بعلاقة جيدة مع الموالاة، من خلال عدم انتقاده للحكومة، ومع المعارضة في مسايرتها بعدم التصويت على الموازنة، مشيرة الى رغبته القاطعة في عدم تعريض علاقته الجيدة التي تربطه بالجميع الى اهتزاز، وهذا ما يترجم حيثية قراره الرامي الى عدم إيلاء مناقشة الموازنة الأهمية كما في الماضي، مما افقده نجوميته في الجلسات". وعزت السبب إلى أن الحزب "يركّز في توثيق علاقته بجميع الأطراف على كسب دعمهم له في المستقبل، خصوصاً اذا ما استؤنفت محادثات السلام وانتهت الى الاهداف المرسومة لها، في ظل المناخ السائد في المنطقة الذي يضغط لإعادة النظر بلغة التخاطب السياسي حيال المفاوضات". ولذلك، وبحسب المصادر السياسية، يتصرف الحزب منذ الآن بأنه يقف على مسافة واحدة من الموالاة والمعارضة في المسألة الداخلية لأن ما يهمه توفير الحماية السياسية التي تضمن له حضوره السياسي، ويعتبر ان لا داعي لإقحام نفسه في السجال الداخلي المحكوم حتى ببقاء الحكومة، حتى اشعار آخر، والإكتفاء بتوجيه الملاحظات لضمان تحسين أدائها الداخلي. وقرر الحزب تسليف العهد والحكومة بدعم غير مشروط ليقطع الطريق على احتمال استفراده بعد ان تحول الى قوة سياسية فاعلة، ومنعاً للتعاطي معه كجالية غريبة عن الجسم اللبناني يمكن "ترحيلها" في حال تم التوصل الى سلام عادل وشامل، اضافة الى ان علاقته الوثيقة بدمشق تؤمن له حماية اقليمية لا يستهان بها. واتخذ الحزب، بقرار مركزي، لنفسه الموقع الذي يخرجه من لعبة التناقضات المحلية، ليوحي من موقع الثقة بالنفس انه ليس قلقاً، بل يريد تمرير الاستحقاقات الداخلية لينصرف منذ الآن الى مواجهة الاستحقاق الاقليمي مستفيداً من دعمه للعهد وتحالفه مع سورية. وتصرف الحزب بردّ فعل طبيعي حيال ما نقل عن لسان السفير اللبناني في واشنطن فريد عبود في خصوص انه لا يجوز له ممارسة حق الفيتو حيال التوصل الى سلام عادل، ولم يشن هجوماً سياسياً، واصفاً كلامه بأنه حرق للمراحل، اضافة الى ان اجتماعات التنسيق التي يعقدها مع "حركة أمل" تأتي لتؤكد حرصه على علاقته برئيس المجلس النيابي نبيه بري وعدم استعداده للدخول كطرف في اللعبة الداخلية.