تعقيباً على ما نشرته "الحياة"، يوم السبت 18/12/1999م، ص 23، عن "ظنية السنة"، اقول: ان الذي يقرأ القرآن بسرعة غالباً ما يشعر بأنه ذم الظن، ولكن التحقيق انه فعل ذلك في مجال العقيدة، فلم يقبل فيها الا اليقين، وربما لهذا سميت يقينا، او فعل ذلك عندما يكون الى جانب الظن يقين، فيُعتمد الظن، ويُهجر اليقين. فلا يمكن الطعن بالظن في كل مجال. فبالظن، لا القطع، يجتهد المجتهدون في استخراج الأحكام الشرعية، وبالظن نطلب العلم، وان كنا لا نقطع بالنجاح فيه، وبالظن ندخل في الأنشطة الاقتصادية، ونتوقع الربح، ولا نطلب من انفسنا ان نكون متأكدين منه. ولو اعتمدنا القطع او التأكد في كل هذا، لتعطل الاجتهاد والعلم والعمل والنشاط. والنص النبوي قد يكون قطعياً او ظنياً، من حيث الثبوت، ومن حيث الدلالة المعنى. اما القطعي الثبوت، الظني الدلالة، فيعمل فيه العقل في حدود الدلالات المقبولة التي يحتملها النقل والعقل معاً. اما اذا كان النقل قطعياً في الثبوت والدلالة والعقل العلم قطعياً، فلا يتصور التعارض بينهما، وعبر بعض العلماء عن هذا بأن صحيح المنقول يوافق صريح المعقول. واذا كان النقل قطعياً ثبوتاً ودلالة، والعقل ظنياً، فالغلبة والرجحان للنقل، وعلى العقل ان يدور في فلكه وأرجائه. واذا كان النقل ظنياً ثبوتاً ودلالة، والعقل قطعياً، فإني اتصور العكس. واذا كان النقل ظنياً ثبوتاً ودلالة، والعقل ظنياً، فلا بد من معرفة مرتبة الظن في كل منهما، ليصار الى الترجيح بينهما، فاذا كانت مرتبتهما واحدة، فاني أظن ان في الأمر سعة. فلا دور للعقل، في الاسلام، في مجال الأمور العقائدية والغيبية والأخروية والتعبدية التوقيفية، ولكن له دوراً كبيراً في امور المعاملات والسياسات، وامور الدنيا، والأمور المعللة، ولا سيما اذا ضعف الظن، او انحط الى مرتبة الشك او الوهم، فان دور العقل يتعاظم. وللعقل دور مستقل في الوصول الى الايمان، فاذا ما وصل اليه، صار في المرتبة الثانية، بعد النقل، وكان له دوره في تفسير النصوص، والاجتهاد القياس، والبحث عن العلة والحكمة والمصلحة والقرائن، وتخصيص العام، وتقييد المطلق، ومعرفة الواقع، واختيار الحكم المناسب له، والترجيح عند التعارض. وهكذا تظهر عناية المسلمين بالأدلة النقلية والأدلة العقلية، والعلوم النقلية والعلوم العقلية، وان النقل الشرع يقوي العقل، ولا يضعفه، لأن علم البشر محدود، وعلم الله غير محدود. جدة - رفيق يونس المصري