نجا الرئيس حسني مبارك أمس من اعتداء في مدينة بورسعيد الساحلية أعاد الى الاذهان محاولة الاغتيال التي تعرض لها في حزيران يونيو 1995 في أثيوبيا على ايدي عناصر تنتمي الى تنظيم "الجماعة الاسلامية". وجاءت الرواية الرسمية للحادثة امس عبر بيان لمصدر رسمي جاء فيه: "أثناء مرور موكب السيد الرئيس حسني مبارك مخترقاً شوارع مدينة بورسعيد وسط ترحيب الجماهير التي احتشدت لتحية سيادته، وعندما كان الرئيس يلوح بذراعه خارج نافذة السيارة اندفع شخص نحو الموكب وبيده آلة حادة احدث جرحاً سطحياً، وتم الإجراء الطبي اللازم لتطهير الجرح وذلك قبل ان يدخل السيد الرئيس الى قاعة الاجتماعات بمبنى محافظة بورسعيد لإلقاء خطابه الذي اذيع على الهواء مباشرة". وذكر المصدر ان "قائد حرس الرئيس اصيب بجرح قطعي بأصبع اليد عند محاولة منع المعتدي من الوصول الى السيارة"، مشيراً الى ان افراد الحراسة الخاصة بالرئيس "تعاملوا على الفور مع المعتدي وأردوه". لكن شهود عيان ذكروا ان الجاني كان ممسكاً بورقة بيضاء اثناء وقوفه بين الجماهير التي اصطفت على احد جانبي الطريق فأعتقد الرئيس انه يريد تقديم طلب خدمة او مصلحة، فسمح له بالاقتراب من السيارة، لكن الحرس فوجئوا به يُخرج سكيناً محاولاً الاعتداء على الرئيس. فسارع قائد الحرس الذي كان يجلس في مقدم السيارة، الى السيطرة على الموقف لكنه أصيب في يده. وتمكن الحراس خارج السيارة من اطلاق النار على الجاني فقتلوه. وكان مبارك وصل الى مدينة بورسعيد صباحاً لتفقد الانشاءات الجارية في ميناء "شرق بورسعيد" حيث تفقد أحد المشروعات. ومن ثم توجه الى مقر محافظة بورسعيد في موكب اخترق شوارع المدينة. ووقعت الحادثة قبل ان يصل الى مقر قاعة الاحتفالات. ولوحظ ان مبارك ارتدى سترة غير تلك التي كان يرتديها اثناء تفقده المشروع لكن لم يظهر عليه اثناء إلقاء كلمته في المؤتمر اي تأثير. وبدا ان الاصابة التي لحقت بيده اليمنى خفيفة جداً. محاولة في اديس ابابا يُذكر ان مسلحين حاولوا اغتيال الرئيس المصري قبل أكثر من اربع سنوات بعيد وصوله الى مطار اديس أبابا. إذ اعترض مسلحون موكبه وهو في طريقه الى مقر انعقاد القمة الافريقية. لكن حراسه ردوا على المسلحين وقتلوا ثلاثة منهم في حين تمكن ستة آخرون من الفرار. وتمكنت الشرطة الاثيوبية في اليوم التالي من قتل ثلاثة منهم اثناء محاولة القبض عليهم، فيما نجح الثلاثة الباقون من مغادرة الاراضي الاثيوبية. ووصل احدهم، وهو قائد الجناح العسكري للتنظيم مصطفى حمزة، الى افغانستان، وظل المكان الموجود فيه الاثنان الاخران مجهولاً. غير ان التحقيقات كشفت شخصيتهما وهما حسين شميط واسلام الغمري. ولم تصف وسائل الاعلام المصرية حادثة بورسعيد على انها محاولة اغتيال وانما "اعتداء". وبلا شك فإن المسارعة الى توجيه الاتهام الى الاصوليين بالوقوف خلف محاولة الاعتداء امر طبيعي. اذ أن السلطات المصرية نجحت مرات عدة في احباط مخططات للتنظيمات الاصولية كانت تحوي معلومات عن استهداف الرئيس المصري. وتعد حادثة بورسعيد الاولى التي يتمكن فيها "احد" من الاقتراب منه حتى لو كان السلاح المستخدم سكيناً. لكن تأكيد السلطات المصرية ان ليست وراء حادثة بورسعيد ابعاد تتعلق بالجماعات الاصولية أدى الى حال من الارتياح في الاوساط المصرية وبدد المخاوف من ان تكون الحادثة بداية لموجة جديدة من العنف والعنف المضاد. وعانى المصريون منذ ربيع العام 1992 وحتى نهاية العام 1997 حال استنفار يومي لم تغب فيها مشاهد الدماء وصور القتلى واصوات الرصاص والقنابل والمتفجرات. وتجاوز العنف خلال تلك الفترة حدود مصر ليعبر الى اثيوبيا، حيث جرت محاولة اغتيال مبارك، والى باكستان حيث تم تفجير السفارة المصرية في اسلام اباد. وعلى رغم ان حادثة الاقصر التي وقعت في تشرين الثاني نوفمبر العام 1997 مثلت ذروة عمليات الاصوليين واكثرها بشاعة ودموية، إلا ان ردود الفعل على العمليتين خلقت مناخاً ايجابياً، حيث دخل تنظيم "الجماعة الاسلامية" بعدها في تفاعلات اسفرت عن قرار إيجابي اصدره قادة التنظيم المقيمون في الخارج بوقف شامل للعمليات العسكرية داخل مصر وخارجها استجابة لمبادرة اطلقها في تموز يوليو 1997 القادة التاريخيون للتنظيم الذين يقضون عقوبة السجن في قضية اغتيال الرئيس الراحل انور السادات. ولم تكن المحاولة الفاشلة التي استهدفت مبارك في اديس ابابا أو الاعتداء الذي وقع في بورسعيد اول محاولة لاغتيال رئيس مصري. اذ جرت المحاولة الاولى العام 1954، حين كان الرئيس جمال عبدالناصر يلقي خطاباً في ميدان المنشية في الاسكندرية. واتُهمت جماعة "الاخوان المسلمين" بالمحاولة وقبضت السلطات على الآلاف من أعضاء الجماعة التي عانت لسنوات طويلة من الصدام مع العهد الناصري. لكن الاوضاع التي عاناها الاخوان داخل سجون عبدالناصر افرزت تياراً أصولياً اكثر تشدداً. وقبل ان يتمكن تحالف من تنظيمي "الجهاد" و"الجماعة الاسلامية" العام 1981 من اغتيال السادات، فشل اعضاء في التنظيمين في تنفيذ عملية لاغتياله خططوا لها اثناء وجوده في استراحة القناطر الخيرية. غير انه عُدل عن الفكرة، كما ألغيت خطة كانت تقوم على توجيه صواريخ الى مقر اقامته. وفي يوم حادثة المنصة اطلق اربعة من قادة التنظيم هم خالد الاسلامبولي وحسن عباس وعطا طايل وعبدالحميد عبدالسلام النار على السادات اثناء مشاهدته عرضاً عسكرياً وقبض على منفذي العملية وأعدموا ومعهم محمد عبدالسلام فرج منظر التنظيم. وطوال نحو تسع سنوات لم تضبط السلطات المصرية اي اصوليين تحت بند "التخطيط لاغتيال رئيس الجمهورية". غير ان الحال تغيرت مع بداية التسعينات حينما دخلت الحكومة في مواجهة مع "الجماعة الاسلامية" اثر مقتل الناطق باسمها الدكتور علاء محيي الدين، وبعدما اتهمت الجماعة الحكومة بتنفيذ الاغتيال ورد التنظيم باغتيال رئيس مجلس الشعب الدكتور رفعت المحجوب في العام نفسه. لكن الاوضاع هدأت لسنتين الى ان تفجر العنف في ربيع العام 1992 في واقعة قرية "صنبو" الشهيرة في اسيوط. عملية جسر الفردوس وتشير تقارير امنية الى ان اصوليين اعدوا خطة لاغتيال مبارك في شهر رمضان العام 1993، تضمنت وضع قنابل امام مطلع جسر الفردوس في شارع صلاح سالم لتفجيرها عند مرور موكبه لإجباره على السير في اتجاه منطقة المقابر المتاخمة للطريق على ان يكون القيادي عادل عوض في الانتظار لتفجير سيارة مفخخة عن طريق جهاز التفجير عن بعد. الا ان السلطات اجهضت العملية وألقت القبض على افراد التنظيم وقتلت عوض بعد ايام في مكمن في منطقة المنيب في محافظة الجيزة. كما احبطت اجهزة الامن محاولة ثانية للتنظيم كانت تقوم على وضع سيارة مفخخة اعلى جسر اكتوبر وفيها نحو 600 كيلوغرام من المتفجرات. وكلف التنظيم احد افراده بالجلوس داخل السيارة وتفجيرها في عملية انتحارية لحظة مرور موكب الرئيس المصري. الا ان الموكب مر اسفل الجسر ففشلت العملية. وحصلت إحدى العمليات في مدينة "سيدي براني" في مدينة السلوم قرب الحدود مع ليبيا. إذ جُهّزت كمية من المتفجرات على مهبط الطائرات لضرب طائرة الرئيس خلال زيارة يقوم بها العقيد معمر القذافي. لكن المحاولة احبطت ايضاً.