من تحت قبة الشورى.. الجاسر: استكمال الجسر البري وتطبيق نظام النقل الجديد قريباً    بقيمة تجاوزت 2 مليار ريال "سمو العقارية" توقع اتفاقية لتأسيس صندوق استثماري    الاتحاد السعودي للمبارزة يفوز ب6 مقاعد في لجان الاتحاد العربي للمبارزة    محمد عبده: لن أعتزل إطلاقاً    الشيباني يرحب بقرار أوروبا تخفيف العقوبات على سورية    حملة صارمة تطلقها إدارة ترمب لتطبيق قوانين الهجرة في شيكاجو    مساعد وزير الدفاع يشهد مراسم وصول السفينة الإيطالية "أميريجو فيسبوتشي" إلى جدة    NHC توقّع صفقات واتفاقيات استراتيجية بقيمة 30 مليار ريال    دوري روشن: ثنائية حمدالله تمنح الشباب نقاط الفيحاء    إسرائيل تتسلم قائمة ب33 متحجزاً في غزة بينهم 8 قتلى    الاتحاد العام للمصريين بالخارج يرفض دعوة ترامب تهجير الفلسطينيين من أراضيهم    بحضور أكثر من 14 الف مشجع ضمك يتغلّب على الاتحاد بثنائية في دوري روشن للمحترفين    فهد بن جلوي: دعم قيادتنا الرشيدة سر نجاحنا    المنطقة الشرقية: القبض على شخص لترويجه مادتي الحشيش والإمفيتامين المخدرتين    أمير منطقة جازان يستقبل مدير عام المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي    السماح للأجانب بالاستثمار في أسهم الشركات العقارية المدرجة التي تستثمر في مكة المكرمة والمدينة المنورة    نائب أمير مكة يستقبل المعزين في وفاة الأمير عبدالعزيز بن مشعل    اكتمال الاستعدادات لبطولة كأس الطائف للصقور للعام 2025 في نسخته الأولى    جامعة أمِّ القُرى تطلق الأسبوع الإعلامي في نسخته الثانية    أمانة القصيم تكثف جهودها لإزالة مياه الأمطار وتعالج مواقع لتجمع المياه    رنا سماحة تثير الجدل برسالة غامضة.. من المقصود؟    قطاع ومستشفى محايل يُفعّل حملة "شتاء صحي"    الإسعاف الجوي بالقصيم يباشر حادث انقلاب مركبة بعنيزة    التخصصات: ارتفاع مقاعد البورد السعودي بأكثر من 1500 مقعد    ضيوف الملك.. يغادرون إلى مكة بذكريات لا تنسى    وزير الخارجية يجري اتصالاً هاتفيًا بوزير خارجية ماليزيا    20 فعالية مصاحبة لرالي حائل    حرس الحدود ينقذ طفلا سودانيا من الغرق في عسير    مفوض الإفتاء بمنطقة جازان"اللُّحمة الوطنية عقلٌ يُنير، ووطنٌ يزدهر"    محافظ الخرج يشيد بجهود جمعية رفادة الصحية التعاونية    البدء بأعمال المرحلة الأولى لصيانة وتطوير تقاطعات طريق الملك عبد الله بالدمام    بدء استقبال طلبات إيفاد المعلمين إلى 13 دولة    «التجارة»: 16% نسبة نمو الخدمات الإدارية والدعم    نائب أمير الشرقية يستقبل الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر    وصول الطائرة الإغاثية السعودية ال 14 لمساعدة الشعب السوري الشقيق    المياه الوطنية تطلق برنامج تقسيط توصيلات المياه والصرف الصحي المنزلية    رئيسة وزراء إيطاليا تزور منطقة الحِجِر والمعالم التاريخية والأثرية في العُلا    كي بي إم جي: قطاع التأمين في السعودية يحقق التنوّع الاقتصادي بما يتماشى مع رؤية 2030    5 أسباب للتقليل من استهلاك الملح    «واتساب» تعتزم توفير ميزة الحسابات المتعددة لهواتف «آيفون»    7 خطوات بسيطة.. تملأ يومك بالطاقة والحيوية    «النقانق والناجتس» تسبب العمى لطفل بسبب سوء التغذية    طفاية الحريق في المركبة.. أمن وسلامة    المملكة تدين استهداف المستشفى السعودي في الفاشر    أمير الشرقية يطّلع على إنجازات جامعة حفر الباطن    شرطة النعيرية تباشر واقعة شخص حاول إيذاء نفسه    كيف يعشق الرجال المرأة.. وكيف تأسر المرأة الرجل؟    "سلمان للإغاثة" يوزّع مواد إغاثية في مدينة حرستا بمحافظة ريف دمشق    رضا الناس غاية لا تدرك    الزيارات العائلية    فعالية «مسيرة الأمم»    دراسة: الإجهاد النفسي يسبب" الإكزيما"    النصر يؤكد بقاء الثنائي العقيدي وغريب :"عيالنا .. كفاية إشاعات"    شريف العلمي.. أشهر من طوّر وقدّم برامج المسابقات المُتَلفزَة    ولاء بالمحبة والإيلاف!    نائب وزير الدفاع يرعى حفل تخريج الدفعة (105) من طلبة كلية الملك فيصل الجوية    السعودية باختصار    نيمار حدد موعد ظهوره بشعار سانتوس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المعرض الأول للمبدعين العراقيين في القاهرة . مراث فنية تدين نتائج الحصار المأسوية
نشر في الحياة يوم 04 - 09 - 1999

ليس ما يوقفنا أمام هذا المعرض موضوعه المأسوي فقط، أو وقعه الكارثي على النفس، ولكن، حضوره الفارق في الروح، والكامن في المخيلة الجماعية العربية منذ سنين لم تبرد نارها بعد، هذا الحضور الروحاني الرهيف الذي يطالعك في رسالة بين صديقين تفصلهما المسافات والأسلاك الشائكة والحدود الجغرافية، أو غيرها وليس ثمة ما يبعث على الألم، أكثر من إطلاعك على رسالة كتبت وعينا صاحبها يغشاهما الدمع، فيما أنامله ترتعش، وتنفلت الحروف منها مشعثة ومهزوزة.
"مبدعون تحت الحصار" عنوان أول، يتخذه المعرض الأول للمبدعين العراقيين، وقد أقيم أخيراً في أتيليه القاهرة للكتاب والفنانين، متضمناً إبداعات فنية وشهادات وصوراً وكتباً ورسائل وأفلاماً، تحت رعاية "دار عشتار" للنشر، وإشراف القاصة العراقية، بثينة الناصري. ونستطيع أن نسجل - بداية - ملحوظة مبدئية مهمة عنه، وهي أن المساحة الصغيرة التي احتلها المعرض في قاعة "انجي أفلاطون"، أصغر قاعات الاتيليه الأربع، قد حدت كثيراً من الجماليات الفنية للأعمال المعروضة، والتي تراكمت بشكل قلص من تأثيرها وسطوتها على الجمهور.
وعلى رغم ذلك، استطاع هذا المعرض - الصغير - أن يصنع حالة من الحزن الشفيف ذي الوطء الثقيل على النفس، لما تضمنه من أعمال تقدم حالة شعورية مبتورة حوافها على إحدى مآسي البشرية التي تتوالد يوماً بعد يوم. وكان أكثر هذه الأعمال تأثيراً على المشاهدين، الفيلم التسجيلي الذي عرض على هامش المعرض عن التشكيلية العراقية ليلى العطار، التي استشهدت في إحدى الغارات الاميركية على بغداد ليلة السابع والعشرين من شهر حزيران يونيو من العام 1993.
في هذا الفيلم، الذي أخرجه حسين داود سلمان في العراق قبل وبعد استشهاد الفنانة العراقية، على مدى خمس وعشرين دقيقة، هي مدته، نشاهد ليلى العطار في جلباب بيتي عراقي أبيض، تعدو كملاك صغير في باحة منزلها في بغداد، وشعرها الغزير يتطاير خلف كتفيها في مرح طفولي، حتى تتوقف أمام الكاميرا وهي تتساءل بعينين ضاحكتين: "ايش بتريد.. بدك فيلم تسجيلي وثائقي؟"، بهذا التساؤل الاستنكاري المرح، يلج بنا الفيلم إلى ما يشبه مرثية - تكاد تكون مبتسرة - لحياة ليلى العطار حيث نشاهدها وهي تخترق شوارع بغداد وأسواقها، وهي تبتاع سجاجيد يدوية من عجوز عراقي في الثمانين، ثم وهي تجلس - كتلميذة صغيرة - أمام لوحاتها التي لم تنته بعد، لينقطع هذا التسلسل المشهدي الرهيف على منزلها المتهدم والمنهار بفعل الغارة الاميركية، لنرى لوحاتها وأعمالها وهي تجمع من تحت الأنقاض وكأنها أجساد بشرية لم تسلم من الخدوش والجروح.
وإذا كان هذا الفيلم يقدم ذروة ما خلفته الغارات الاميركية على بغداد في العام 1993، فإن جوانب المعرض الأخرى تقدم لنا - مثالاً لا حصراً - بعض آثار الحصار على الثقافة العراقية، ومنها تأثر قطاع الآثار والتراث بسبب عمليات القصف ثم الحصار، وقد تعرض المتحف الوطني ومكتبته للقصف، كما تهدم الكثير من الآثار التاريخية المهمة، مما يصعب معه تدارك الأضرار في ظل نقص - أو بالأحرى إنعدام - الامكانات، وكذلك تعرضت آلاف القطع الأثرية في الجنوب والشمال الى النهب والسرقة، وهو ما أثبتته الوقائع، كذلك انتفاء الصلة بالمنظمات الدولية والمؤتمرات والحلقات الدراسية الخاصة بالآثار، وتوقف إصدار المجلات والدوريات الآثارية، مثل مجلة "سومر"، وتوقف عمليات التنقيب والصيانة.
وفي منتصف قاعة العرض بالضبط، ثبت تمثال الكاتب السومري "دودو" على حمالة بيضاء، وهو تمثال من البازلت الأسود، يعد من أبدع التماثيل السومرية المكتشفة في العراق، ويمثل كاتباً وكاهناً سومرياً جالساً ومرتدياً لباساً من الفرو، وهو حليق الرأس والذقن، وعلى ظهره كتابة سومرية قديمة تذكر اسمه، وقد وضع تمثاله - كما تشير الورقة التعريفية الخاصة به - في معبد "ننجرسو" رئيس آلهة مدينة "لجش" وكان هذا الكاتب وزيراً في بلاط الملك "أنتيمينا" احد ملوك هذه المدينة العام 2500ق.م.
أما جدران المعرض فقد ازدحمت بالكثير من الأعمال الفنية اليدوية، والمشغولات والأعمال الخزفية الشعبية، صنعتها أيادي فنانين عراقيين تلقائيين. وزينت شهادات بعض الكتاب والشعراء والفنانين لوحاً عريضاً من الخشب، بعضها اجتزئ من مجلات وكتب ودواوين، وبعضها كان بخط أصحابها. والشهادات لكل من: مالك المطلبي ونهى الراضي، ومحمد مهر الدين، وسلمان داود محمد وأمين جياد والشاعر العراقي عبدالأمير معلة الذي رحل عن عالمنا العام 1998، والشاعر عبدالرازق عبدالواحد الذي سجل له القائمون على المعرض مقطعاً شعرياً بخط يده تحت عنوان "بكاء في ليل دامس" يقول فيه: "في الليل الدامس أجلس وحدي / أوقد شمعي / وأهيئ دمعي / وألم جراحك في حضني / .. أهدهدها / .. وأغنيها / من غيري يبكيها؟ / أنا ميتك الخارج من كفني / من غيري يا وطني؟".
أما لوحة "رسائلهم" فقد تضمنت مقتطفات ومجتزءات لرسائل كل من: لطيفة الدليمي، محمد خضير، بثينة محمود جنداري، كمال عبدالرحمن، عبدالستار ناصر، ابتسام عبدالله، وحنون مجيد.
ولا يتبقى - نهاية - سوى تسجيل ما تركه فيلم ليلى العطار من حالة إنسانية رهيفة في حدتها، وحادة في وقعها الأول على النفس، لخصت رسالة هذا المعرض الأول للمبدعين العراقيين تحت الحصار، حيث ينتهي الفيلم بتثبيت صورة الفنانة وهي مبتسمة لكاميرا المصور، وصوت قارئ التعليق يقول: "اتحدى جيش أميركا كله أن يبقي عيونه مفتوحة في عيني ليلى العطار"، فكم "ليلى العطار" سوف تشهد يا عراق؟!.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.