يسود الانطباع لدى الكثير من الاوساط العربية والغربية المعنية بالجهود المبذولة لاستئناف عملية السلام، ان أشهر الخريف الذي بدأ ستكون اختباراً حاسماً لامكان اعطاء دفع مهمّ للعملية السلمية، خصوصاً على المسارين السوري واللبناني، ولنية الافرقاء احراز تقدّم على هذا الصعيد، فاذا بقيت الامور جامدة على حالها خلال هذا الخريف، فسيكون على الولاياتالمتحدة الاميركية ان تعيد تقويم سياستها وخطتها حيال جهود السلام مع نهاية العام الجاري، خصوصاً ان البدء بالحملة الانتخابية الرئاسية الاميركية يكون اقترب، في شكل يدفع واشنطن الى اتخاذ قرارات حاسمة في صدد خطتها للاشهر المقبلة في المنطقة. وتأمل مصادر ديبلوماسية غربية في هذا السياق ان ينجم عن اللقاءات التي أجرتها وزيرة الخارجية الاميركية مادلين أولبرايت، في نيويورك على هامش الجمعيةالعمومية للأمم المتحدة مع وزيري الخارجية الاسرائىلي ديفيد ليفي والسوري فاروق الشرع، اضافة الى اللقاءات التي أجراها الرئيس الفرنسي جاك شيراك مع الشرع ثم مع رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود باراك، تحديد صيغة لاستئناف المفاوضات، قد يكون اعلان أولبرايت اول من امس ان "لا سلام من دون اعادة الجولان" هو بداية اخراج لملامحها، تلبية للمطلب السوري بضمان التسليم بالانسحاب الاسرائىلي منه حتى حدود الرابع من حزيران يونيو. وتقول المصادر الديبلوماسية الغربية نفسها ل"الحياة" ان بعض الاوساط الاعلامية بدا متشائماً باستئناف المفاوضات، اثر جولة اولبرايت على الدول العربية نهاية الشهر الماضي، "بسبب التوقعات العالية" بان الجولة ستسفر عن تحديد موعد لهذه المفاوضات، في وقت لم تكن أولبرايت بحثت مع باراك في افكار محددة لصيغة استئنافها على المسار السوري، لانه طلب اثناء زيارته واشنطن مهلة من اجل ترتيب العلاقة مع افرقاء الائتلاف الحكومي وتحضيرهم في شأن التفاوض مع سورية، بعد احراز تقدم على صعيد تنفيذ اتفاق "واي ريفر" على المسار الفلسطيني. وتفيد هذه المصادر "لهذا السبب اقتصرت جولة أولبرايت نهاية آب اغسطس على استكشاف المواقف، الذي تابعته في لقاءاتها في نيويورك، ولم يكن واقعياً ان تحقق قبل ذلك أي اختراق في الجمود". وما يجعل المصادر نفسها تأمل جديداً على صعيد المسار السوري، وبالتالي اللبناني خلال هذا الخريف جملة عوامل: - ان الاعتقاد السائد لدى الدول الغربية ان الرئيس السوري حافظ الأسد ليس مع أتباع سياسة البطء في عملية السلام، مع ان هذا الانطباع لا يلغي القاعدة المعروفة لديه والقائمة على عدم التسرّع، وتوخي الحذر للحؤول دون الاتفاق على "أي شيء" أو للحؤول دون اتفاق سيء بالنسبة الى سورية، واذ تتفهم الاوساط الغربية جميعاً، حذر الأسد، وتدرك انه جدي أكثر من أي وقت، بحسب المصادر، فانها تأمل الا يطيل الجانب السوري النقاش على آلية استئناف التفاوض، من أجل الولوج الى الجوهر، القائم على الترتيبات والانسحاب والتطبيع ومن ثم شكل اخراج الاتفاق. - ان الادارة الاميركية ترى الفرصة سانحة قبل الانتخابات الرئاسية. بل ان فريق السلام الموجود الآن يسعى جهده للتوصل الى صيغة تنجز اتفاقات السلام في ظل الادارة الحالية، لان أوساطاً في الكونغرس الاميركي بدأت تطرح اسئلة عن جدوى بقاء هذا الفريق في الخارجية بعدما مضت تسع سنوات ونيف على تحركه من اجل السلام من دون إنجازه. - ان الدول الغربية المعنية بعملية السلام بما فيها الولاياتالمتحدة الاميركية، باتت تدرك ان جزءاً من الشروط أو المطالب الاسرائىلية لاستئناف العملية السلمية، لا يعني التوقف عندها اذا لم يتم تحقيقها، وان المحاولات يجب ان تتركز على تدوير الزوايا فيما يتعلق بالشروط والشروط المضادة. وفي هذا السياق، تقول المصادر الديبلوماسية الغربية "اذا كان يصعب إقناع "حزب الله" بوقف عملياته ضد القوات الاسرائيلية في الجنوب، فلأن هناك ادراكاً ايضاً ان هذا الحزب ليس رجلاً آلياً، يتم تحريكه لجهة القيام بالعمليات أو وقفها وفقاً لأوامر محددة سواء من سورية أو من غيرها. لكن الدول الغربية تعتقد ان حجة حق مقاومة الاحتلال شيء، وممارسة هذا الحق وطريقة ممارسته شيء آخر، وهنا يكمن الخلاف في وجهات النظر على موضوع أعمال المقاومة اثناء المفاوضات على المسار السوري، بين الدول العربية والولاياتالمتحدة الاميركية من جهة وسورية ولبنان من جهة ثانية". وفي اعتقاد المصادر الغربية، تعليقاً على ما أثارته أولبرايت ابان جولتها في المنطقة وما يستمر الاسرائىليون في اثارته في شأن أعمال المقاومة والتهدئة يتناول المناخ السياسي العام المعادي للتسوية السلمية الذي ينشط "حزب الله" على أساسه، أكثر من استهداف هذه الاثارة، وقف العمليات لصعوبة تحقيقه ما دام الاحتلال الاسرائىلي قائماً. وفي رأي المصادر الغربية ان اثارة قضية "حزب الله" بالتزامن مع محاولات اختراق الجمود هدفها اشاعة مناخ تهدئة من جهة والتشديد على أهمية ضمان ضبط الاوضاع مع تقدم التسوية وضمان عدم خرق مجموعات من الحزب أو غيره أي اتفاق سلام بعد الانسحاب الاسرائىلي من الجنوب اللبناني، من جهة ثانية. وتستبعد المصادر الغربية نفسها ان تكون الادارة الاميركية طرحت على لبنان، ما سمته أولبرايت "قضايا الارهاب القديمة" من عمليات نفّذت ضد أميركيين والرهائن... للمقايضة بها في مقابل وقف عمليات المقاومة، معتبرة ان لا علاقة بين الموضوعين، ومشيرة الى ان الادارة الاميركية مضطرة الى الاستمرار في طرحها، لاسباب تتعلق بالانظمة الاميركية نفسها، خصوصاً ان هذه القضايا لم تقفل في ملفات "اف.بي.آي" ووزارة العدل الاميركية. وتختم بالقول ان طرحها ربما كان هدفه الوصول الى نهاية للتحقيقات التي يفترض ان تحصل على الصعيد القضائي اللبناني وأي قرارات قضائية تقفل هذه الملفات.