كلما تأخرت جهود استئناف مفاوضات السلام على المسار السوري وبالتالي اللبناني، أخذت أوساط الإدارة الأميركية تسرب الأنباء عن تباطؤ في هذه الجهود ملمحة الى "بطء" من جانب سورية في التجاوب مع الصيغ المطروحة كمخرج لتجدد هذه المفاوضات. وهي تسريبات تناقض تسريبات أخرى عن أن واشنطن تقود اتصالات متكتمة ومتفائلة، بين دمشق وتل أبيب. تتعدى مخارج استئناف المفاوضات، الى التعمق في تفاصيلها الجوهرية، المتعلقة بعمق الانسحاب من الجولان والتطبيع والترتيبات الأمنية. وتناقض التسريبات الأميركية، لا يختلف عن تناقض التسريبات الإسرائيلية تارة عن انسحاب جزئي من الجنوب اللبناني وأخرى عن نفيه، وعن التهيؤ لانسحاب من جانب واحد من لبنان من دون اتفاق ثم عن أن لا انسحاب من دون اتفاق مع سورية ولبنان. هل هو تخبط أميركي واسرائيلي؟ الخطورة في هذا التناقض أن وقائع عدة، تدحض تلك التسريبات التي تحمل سورية مسؤولية التباطؤ في تجديد المفاوضات. ومصدر هذه الوقائع واشنطن نفسها، فرئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود باراك هو الذي طلب من أميركا حين زارها في تموز يوليو الماضي التمهل في التحضير لإطلاق المسار السوري فجاءت جولة وزيرة الخارجية الأميركية مادلين أولبرايت نهاية آب أغسطس "استطلاعية" فقط. فباراك أراد تحضير حلفائه في الإئتلاف الحكومي للتنازلات "المؤلمة" حول الجولان، كما قال. والأوساط الإسرائيلية الحاكمة نفسها اعتبرت عدم تجاوب الكونغرس الأميركي، الجمهوري الأكثرية، مع طلب الرئيس بيل كلينتون دفع مساعدات لإسرائيل والسلطة الفلسطينية لتمويل تنفيذ اتفاق "واي ريفر" في الضفة الغربية، عنصراً غير مشجع على احداث تقدم في المسار السوري، الذي يتطلب بدوره دفع مساعدات لإسرائيل ولسورية مقابل اتفاق السلام. وهذا يعني أن ثمة أسباباً أميركية واسرائيلية للتباطؤ. أليس تعيين كلينتون لمساعد وزيرة الخارجية لشؤون الشرق الأوسط سفيراً في اسرائيل، "لإنقاذ السلام ودفعه الى الأمام" اعتراف بأن العقبات تكمن في اسرائيل وفي طبيعة العلاقة الأميركية - الإسرائيلية؟ وإذا كان ليس جديداً أن واشنطن كلما عجزت أو تجنبت الضغط على اسرائيل لتعديل موقفها تدير وجهها للمشكلة فتضغط على العرب. فإن أسوأ ما في احتمالات المرحلة المقبلة، هو أن يؤدي الاستعجال الأميركي لإنجاز شيء ما في عملية السلام قبل انتقال هموم كلينتون الى المعركة الرئاسية الداخلية، هو أن تقترح واشنطن، نتيجة مداولاتها مع الفريقين، اتفاق مبادىء تترك لهما استكمال بلورته في اتفاقات أخرى. سورية رفضت "اتفاق المبادىء" في مفاوضات 95 - 96 لتجنبها تجربة "أوسلو" فهل يمكن أن تقبله الآن؟