كشفت مصادر ديبلوماسية غربية مطلعة في لندن ان مبعوثي الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، الذين اجتمعوا في لندن أول من أمس للبحث في قضية العراق، لم يتبنوا قرارات نهائية للخروج من الطريق المسدود الذي انتهت إليه لجان الأممالمتحدة لمراقبة التسلح، وفشل سياسة الضربات الجوية التي توجهها الولاياتالمتحدة وبريطانيا إلى العراق في تحقيق أهدافها. لكنها أكدت أنهم قطعوا شوطاً كبيراً في الإتفاق على المبادئ والعناوين الكبيرة التي ستشكل السياسة الدولية المقبلة في التعامل مع بغداد، ملاحظة تحولاً جوهرياً في الموقف الأميركي، ومعه البريطاني بالطبع. وقالت المصادر نفسها ل"الحياة" إن ممثلي الدول الخمس الكبرى رسموا الإطار السياسي العام لصيغة التعامل الجديدة مع العراق، على أن يستكمل البحث في المسائل التقنية، خلال اجتماع يفترض أن يدعو إلىه توماس بيكرينغ، مساعد وزيرة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية الأسبوع المقبل في نيويورك. وأضافت ان التزام بغداد التعاون التام مع الخطة الجديدة سيؤدي في النهاية إلى تعليق العقوبات وليس رفعها. وروى مصدر ديبلوماسي غربي شارك في الإجتماع ل"الحياة" مضمون المناقشات وما توصل إليه ممثلو الدول الخمس. وقال إن الجو كان إيجابياً إذ حرص الجميع على عدم تناول مشروع بعينه لئلا ينتهي النقاش إلى فشل مشروع ونجاح آخر. لذلك طرحت أفكار عامة بغية التوافق الجماعي عليها. وما حصل أن المجتمعين اتفقوا على إنشاء لجنة دولية جديدة خلفاً للجنة "اونسكوم" تسمى UNCMI أي "لجنة الأممالمتحدة للرقابة والتفتيش" على أسلحة الدمار الشامل. وتختار الدول الدائمة العضوية رئيساً للجنة يتولى هو اختيار أعضائها طبقاً لمواصفات فنية تسمح لأي دولة بتقديم المرشحين الخبراء والمؤهلين لعضويتها. ولئلا تتعرض اللجنة لما تعرضت له سابقتها، ستوضع ورئيسها تحت رعاية الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان الذي سيتولى بنفسه عرض تقاريرها ونتائج أعمالها على مجلس الأمن، بخلاف ما كان يحصل في "اونسكوم" التي اقتصر اعضاؤها على دول محددة وكان رئيسها يتجاوز الأمين العام للمنظمة الدولية، سواء في تصريحاته الإعلامية أو تقاريره إلى المجلس. وتابع المصدر ان ممثلي الولاياتالمتحدة أبدوا تجاوباً ملفتاً ومرونة لا سابق لها في تعاملهم مع الأفكار التي نوقشت في اجتماع الأربعاء، وعبروا عن استعداد واضح لمراجعة شروط برنامج "النفط مقابل الغذاء"، ووافقوا على فكرة إطلاق حرية الصادرات والواردات العراقية من دون تحديد سقف، شرط ألا تشمل الواردات الأسلحة والسلع ذات الإستخدام المزدوج، وشرط أن تكون هناك رقابة دولية على العائدات المالية. وأضاف ان ممثلي الدول الخمس ينتظرون في اجتماع نيويورك أن يتناول البحث التفاصيل التقنية وآليات تطبيق السياسة الجديدة التي يراد لها أن تحظى بإجماع يظهر عزم مجلس الامن على ان ينفذ العراق القرارات الدولية من جهة، وعلى معالجة الآثار الوخيمة التي تركتها العقوبات وسياسة الحظر والضربات الجوية على الشعب العراقي من جهة ثانية. وأشار المصدر الى ان بعض الوفود الى اجتماع لندن سيعود الى حكومته قبل اللقاء الثاني في نيويورك. واذا تم الاتفاق على الخطة الجديدة سترفع الى وزراء خارجية الدول الخمس الكبرى لطرحها في مجلس الأمن. ثم يجري الاتصال ببغداد للحصول على موافقتها. بعدها تشكل اللجنة وتعطى مهلة ستين يوماً لوضع برنامجها ورفعه الى الأمين العام للامم المتحدة. وتابع ان واشنطن أبلغت نظراءها ان الاتفاق على الخطة الجديدة يستدعي منها تعليق ضرباتها الجوية، واتباع سياسة تهدئة تفتح الطريق لاجتذاب العراق وإقناعه. واكد اتفاق ممثلي الدول الخمس في لندن من ناحية المبدأ على "تعليق العقوبات على العراق إذا ما وافق على المشروع وتعاون مع اللجنة الجديدة". وتتيح هذه الصيغة لمجلس الأمن العودة الى العقوبات والحظر اذا ما أخلت بغداد بالتزاماتها ورفضت التعاون. وشدد المصدر على "ان بغداد تخطئ اذا استنتجت انها انتصرت، اذ يمكن القول إننا اعطينا الحكومة العراقية فرصة جوهرية لتخرج من المأزق الذي وقعت فيه، وقدمنا الى الشعب العراقي خدمة بإنهاء معاناته الانسانية التي لم تعد محتملة ومقبولة على المستوى الدولي". ولفت الى ان الدول الخمس لم تتصل بالعراق قبل مناقشاتها الأخيرة للمشروع الجديد "لئلا يفهم انه في وارد التشاور معه سلفاً في قرار يتعين عليه تنفيذه". وسيتوقف قرار تعليق العقوبات على طبيعة التقارير التي ستقدمها اللجنة وتقارير اللجان الأخرى الخاصة بالرقابة على الواردات، اذ اتفقت الدول الخمس على "ان أي اخلال عراقي سيستدعي رداً مباشراً وسريعاً". وفي نيويورك وصفت مصادر بريطانية حضرت اجتماع لندن التزام الدول الخمس التوصل الى "مشروع قرار" يحظى باجماع بأنه "دراماتيكي". واكدت ان هذه الدول "تريد اتفاقاً" على قرار لمجلس الامن "يعيد اليه سلطته ونفوذه، ويعيد بناء جهاز علاقات الاممالمتحدةبالعراق"، بما يؤدي الى "رسم طريق واضحة ليسلكها اذا اراد التخلص من العقوبات". وقال المسؤول البريطاني المعني مباشرة بالملف العراقي ان المواقف الاميركية التي عرضها بيكرينغ كانت "بناءة وفائقة الاهمية لجهة شرح المواقف السياسية" لبلاده. وابرزت الرغبة في المساعدة على التوصل الى اجماع. وتابع: "لم يتم الاتفاق على شيء معيّن، انما تم استطلاع كل الامور" المطروحة "ودخلنا فعلاً في مفاوضات جدية". واوضح ان المجتمعين في لندن بحثوا في المسائل الصعبة العالقة التي تدخل في اربعة مفاهيم اساسية هي: آلية اطلاق تعليق العقوبات، ونوعية آليات الضبط والشفافية المالية بعد التعليق، وتفاصيل تكوين اللجنة الجديدة التي ستحل مكان "اونسكوم" وصلاحياتها ومهماتها، واطار تعليق العقوبات وهل يشمل الواردات كما الصادرات. ويجتمع سفراء الدول الخمس لدى الاممالمتحدة اليوم الجمعة في نيويورك في اطار اتفاق المجتمعين في لندن على استمرار المحادثات في نيويورك، بغية عقد اجتماع لرؤساء الدوائر السياسية في وزارات الخارجية الاسبوع المقبل، على امل الاتفاق. واضاف المسؤول البريطاني: "بينما الخلافات ما زالت قائمة هناك رغبة حقيقية واستعداد للتغلب عليها بغية استصدار قرار" قبل نهاية ايلول سبتمبر الحالي.