كما بدأ مؤتمر النفط والغاز 99 في مدينة ابردين على أنغام نافخ القربة الاسكتلندي يوم الثلثاء الماضي، اختتم فعالياته يوم الجمعة على الأنغام التقليدية نفسها التي لا يعرف مصدرها إلا الذي يتتبعها ويشاهد العازف في لباسه الاسكتلندي التقليدي المعروف، حاملاً القربة ذات الأبواق المتعددة ينفخ في أحدها دون كلل أو ملل. إلا أن الطابع الترفيهي لافتتاح واختتام المؤتمر لم يبعد الحدث الذي يرى النور مرة كل عامين عن أهدافه التي انحصرت جميعها في دائرة العمل والصناعة النفطية، سواء من حيث تقديم التقارير وعقد الندوات أو عرض المنتجات والخدمات المساندة لتلك الصناعة المهمة. وعبر الاعوام نجح مؤتمر أبردين في جذب العديد من الشركات العالمية ذات العلاقة المباشرة أو غير المباشرة بصناعة النفط والغاز على اختلاف أحجامها وأنواعها وجنسياتها، حتى بلغ عدد المشاركين في المؤتمر الأخير نحو ألفي شركة من 40 دولة حول العالم قدمت أكثر من 300 منتج وخدمة جديد في صناعة النفط والغاز خلال المعرض. ومثلما كوّنت مدينة أبردين الساحلية المهملة لسنوات عدة لنفسها تصوراً مختلفاً فأصبحت مدينة صناعية مهمة محط أنظار العديد من كبرى الشركات الصناعية العالمية، بعد أن ظلت لفترة طويلة مجرد مدينة صغيرة تقبع في الشمال الأسكتلندي البارد وتطل على بحر الشمال، بنى المؤتمر أيضا سمعته العريضة التي تجاوزت جميع الحدود الإقليمية في العالم وأصبح يجتذب آلاف الزوار الذين يأتون من مختلف الأنحاء للتعرف على المواضيع المطروحة على الساحة والإطلاع على أحدث الابتكارات التي تقدمها الشركات في عالم صناعة النفط والغاز. وعلى رغم محاولة العديد من الدول الصناعية الكبرى الابتعاد عن الاعتماد على النفط والغاز كمصدرين للطاقة، والعمل طوال اعوام مضت على استحداث مصادر أخرى غير ناضبة، إلا أن غالبية المحاولات باءت بالفشل وأصبحت تلك المصادر مساندة فقط ولا يمكن عن طريقها الاستغناء عن النفط والغاز. ولا يزال النفط حتى الوقت الحاضر هو المصدر الرئيسي الذي تستهدفه الدول الصناعية وتعتمد عليه في توليد الطاقة التي تحتاج إليها مصانعها المختلفة. وبرز في الفترة الأخيرة دور الغاز كمصدر مهم وفعال للطاقة علاوة على كونه غير مؤذٍ للبيئة، وبدأت الدول تتجه بقوة نحو إنتاجه وتطوير صناعته واستخدامه في العديد من الصناعات. ومع إنتاج عالمي يصل إلى أكثر من 70 مليون برميل من النفط يومياً، حسب آخر إحصاءات في حزيران يونيو الماضي، ويتجاوز 2،2 ترليون متر مكعب من الغاز حسب آخر إحصاءات في عام 1997، ركزت أوراق مؤتمر النفط والغاز على كل من مستقبل صناعة النفط في ظل عدم الاستقرار في الأسعار، إضافة إلى تطوير صناعة الغاز في العالم وخصوصاً في مناطق الشرق الأوسط والخليج التي لم تستغل جميع حقولها بالمستوى المطلوب بعد. واستغلت شركات أوروبية كبرى تعمل في مجال الصناعة النفطية فرصة التجمع الهائل الذي اتاحه المؤتمر لعرض تقنياتها الحديثة التي حاولت من خلالها التوصل إلى عقد اتفاقات مع أخرى تعمل في مجال استخراج النفط والغاز. وتناولت بعض التقارير التي عرضت امام المؤتمر كيفية المحافظة على مستوى معين من الإنتاج النفطي في حال تدني أسعاره العالمية عن المستويات الحالية والوصول إلى ما كانت عليه حتى نهاية الربع الأول من السنة الجارية. وتوصلت بعض أوراق العمل إلى توصيات مختلفة منها ضرورة بلوغ انتاج النفط في بحر الشمال إلى الذروة خلال العقد المقبل، في حال هبوط الأسعار مرة أخرى. وتعتبر بريطانيا والنروج من أكثر الدول التي ستعاني من هبوط الاسعار نظرا لارتفاع تكاليف الإنتاج فيها عنها في بقية أنحاء العالم. وتعتبر بعض دول الخليج وافريقيا مثل السعودية وقطر واليمن وإيران وليبيا والجزائر ونيجيريا، محط أنظار العالم بالنسبة لإنتاج الغاز الذي يُنتظر أن يصل إلى ذروته في السنة 2005 وبعدها يبدأ في الهبوط من جديد.