لم تخل الصحف المصرية القومية والحزبية والمستقلة طوال سنوات من انتقادات شديدة الى الطريقة التي تتعامل بها الحكومة مع "المجانين". وحين أكدت أجهزة الأمن أن منفذ تفجير باص يقل عدداً من السياح الألمان أمام متحف التحرير في ايلول سبتمبر 1997، مما ادى الى مقتل عشرة منهم واصابة أكثر من 20 آخرين، هو أحد نزلاء "مستشفى الخانكة للأمراض النفسية" كان يخرج من المستشفى كل فترة بعد رشوة بعض المسؤولين فيها، أثار الخبر صدمة وتساؤلات كثيرة. والمؤكد أن محاولة الاعتداء على الرئيس حسني مبارك الاثنين الماضي، والتي نفذها شخص تحدثت الأجهزة الرسمية عن اصابته بمرض نفسي، اثبتت أن خطر المجانين ما زال قائماً، وأثارت تساؤلاً مهما: من يحمي الرئيس من أفعال المجانين؟ وما زال المصريون يتذكرون وقائع حادثة فندق سميراميس في أيلول سبتمبر 1994 حينما فاجأ شخص رواد الفندق وأطلق النار في باحته على الموجودين فقتل أربعة من علماء القانون واصاب آخرين، ساقهم حظهم العاثر الى الفندق في ذلك اليوم للمشاركة في مؤتمر قانوني دولي. وعجز رجال الأمن والمحققون عن الحديث الى الجاني أو سماع أقواله، وتبينوا أنه "مريض نفسي"، وأنه ارتكب الحادث كرد فعل انتقامي تجاه الفندق وليس مرتاديه، ولم تحركه دوافع سياسية أو نزعة إجرامية. ولأن مصر وقتها كانت تعيش مناخ صراع شبه يومي بين الحكومة والاصوليين فإن التوقعات وقتها ذهبت إلى أن الجاني خطط ونفذ عملاً يقع تحت بند "ضرب السياحة" الذي اعتمده تنظيم "الجماعة الإسلامية" في صراعه مع الحكومة. لكن الجميع فوجئ بأنه صابر أبو العلا فرحات موسيقي وعمل عازفاً في الفترة الذي استغنى عن خدماته في إطار سياسة ضغط النفقات. ولم يحل فرحات وقتها على المحكمة وإنما أودع مستشفى للأمراض العقلية على اعتبار انه مختل عقلياً لكن الشخص نفسه عاد بعد نحو أربع سنوات ونفذ مع شقيقه محمود حادثة باص السياح الألمان فأحيل الاثنان على محكمة عسكرية قضت بإعدامهما. وفي الوقت نفسه نصبت محكمة أخرى لعدد من العاملين في المستشفى بتهمة تقاضي رشاوى من فرحات لتمكينه من الخروج بانتظام من المستشفى. وقتها أتخذت أجهزة الأمن ووزارة الصحة إجراءات صارمة للحد من ظاهرة فرار المجانين من المستشفيات. واللافت أن بعضاً ممن انتقدوا الظاهرة حملوا على سياسة التخصيص التي تعتمدها الحكومة في إطار برنامج الاصلاح الاقتصادي، واعتبروا أنها المسؤولة عن ارتفاع أعداد المجانين في الشوارع إذ أن أحد الخيارات المعروضة أمام وزارة الصحة كان بيع مستشفيات الأمراض النفسية للاستفادة من ريع الأراضي المقامة عليها بدلاً من تخزين المجانين فيها. وقدرت إحصاءات غير رسمية أعداد "المجانين" المطلقين في الشوارع بالآلاف، ورغم كل الشائعات التي انطلقت عقب حادثة بورسعيد عن شخصية حسين محمود سليمان وتردده على المساجد وإطلاق لحيته، إلا أن الثابت أنه عولج في مستشفى الأمراض النفسية في بورسعيد، وأن تقارير طبية أكدت أنه غير متزن عقلياً، ولكن يبدو أن عدم الاكتراث بحاله كان سائداً على أساس أنه واحد بين آخرين، وأن الاعتقاد بأن سلوكه لن يصل أبداً الى حد مهاجمة الرئيس كان وراء عدم احتجازه قبل زيارة مبارك لبورسعيد.