مع ان الحديث عن استئناف مفاوضات السلام على المسار السوري بلغ درجة تحديد موعد جديد لها، هو منتصف شهر تشرين الاول اكتوبر المقبل، بعد ما سبقه الحديث عن موعد سابق هو أواسط آب اغسطس أو أوائل ايلول سبتمبر، فإن زيارة وزيرة الخارجية الاميركية مادلين أولبرايت للمنطقة قد تخضع هذه التوقعات عن استئناف المفاوضات على المسار السوري الى مزيد من التأجيل، تماماً كما أدت زيارة رئيس الوزراء الاسرائىلي ايهود باراك لواشنطن، قبل أسابيع الى خيبة أمل التوقعات باستئناف سريع لها. وثمة من يقول ان استمرار تأجيل مباشرة المفاوضات على المسارين السوري واللبناني يعود الى ان هناك مفاوضات موازية سرية تجرى بهدف ازالة العقد بحيث يأتي استئناف التفاوض الرسمي في ظلّ تقدّم ما، على عدد من المواضيع العالقة بين اسرائيل وسورية. وعلى رغم هذه التوقعات الشديدة التفاؤل التي تردّ الأمور إلى "السرية" وتستسهل السيناريوهات، فإن الاتصالات في هذا السياق علنية وليست سرية بدليل ما قام به وزير خارجية النروج وغيره بين دمشق والقدس المحتلة من مساع لإيجاد صيغة مقبولة من دمشق للجلوس الى الطاولة. وفي الانتظار، يعود باراك الى اللعبة المفضلة لدى حزب "العمل"، كما مارسها أسلافه، خصوصاً اسحق رابين وشمعون بيريز، وهي الضغط على كل مسار بالآخر. فقبل زيارته واشنطن، أوحى رئيس الحكومة الاسرائىلية بإمكان استئناف قريب للتفاوض على المسار السوري، وبعد الزيارة بدت الاستعدادات الاسرائىلية لتسهيل هذا الامر متراجعة لمصلحة التركيز على تنفيذ اتفاق "واي ريفر" مع الفلسطينيين، الذي عاد فتعثّر، في ظل الاتصالات بالواسطة بين اسرائيل ودمشق، والتي يقوم بها موفدون أوروبيون. وبدا ان الانسحاب من الضفة الغربية مؤجل هو الآخر، واخلاء السجناء الفلسطينيين غير قابل للمعالجة، حيث تعود حكومة باراك الى شروط قريبة من شروط سلفه بنيامين نتانياهو. أما في الاستيطان فان باراك ينطلق مما حققه سلفه، ويعززه. خلاصة القول ان السرعة التي توقعها الاميركيون والكثيرون من الحكام العرب لاستئناف السلام بعد فوز باراك استبدل الاخير بها الكثير من البطء والمراوحة. فحتى لو بدأ التفاوض على المسار السوري فان الامور لن تندفع بالحماسة التي أشيعت حكماً. وربما كان البطء مفتاحاً للضغط بالمسار اللبناني وإمكان الانسحاب من الجنوب، على المسار السوري. وبدلاً من ان يمحو باراك آثار ما خلفه نتانياهو، كما أوحى الترحيب الدولي بمجيئه، فانه يستفيد، تماماً كما قال سلفه، من التشدد الذي مارسه والقواعد التي وضعها للعبة، ويزيد عليها أسلوبه بالتنقل بين المسارات، مثل رقاص الساعة الذي لا يسعك وقفه، خوفاً من ايقاف عملية قياس الوقت... الذي هو لمصلحته