مباراة كرة القدم التي أقيمت بين فريقي مساجين الطبقتين الأولى والثانية في سجن رومية، لم تكن بالنسبة للصحافيين حدثاً رياضياً بل هم لبّوا دعوة القوى الأمنية لحضورها ليتسنى لهم مشاهدة السجن بعد أكثر من سنة على انتفاضة المساجين فيه. كان السجن بالأمس، أو ردهاته الخارجية، نظيفاً وفيما عدا جدار مرتفع يحجب نوافذ زنزانات الموقوفين عن المارة. لم يتغير شيء في مباني السجن. الشرفات التي يطل منها المساجين على الباحة الداخلية للسجن، ما زالت أيضاً على حالها لناحية تدلّي ثياب المسجونين منها، وظهور وجوههم متزاحمين من بين قضبانها، مع هدير أصواتهم وهمهماتهم غير المفهومة. المباراة التي أقيمت كانت مناسبة ليلتقي الصحافيون مع المساجين وأن يتحدثوا، وإن تحت رقابة رجال الأمن. الوضع تغير من السنة الماضية إلى الآن، يجمع المساجين على القول. فقد سمح لمساجين كل غرفة بإحضار تلفزيون وسخّان كهرباء، وسمحوا أيضاً بالمراوح، وأضافوا وقتاً لزيارات الأهل. لكن التحسينات ما زالت أقل من الممكن كما يقول المساجين، الذين تحولت مطالبهم من الصحافة هذه المرة إلى ضرورة إثارتها المادة ال108 من القانون المتعلقة بالعفو العام. المساجين كانوا على أحسن حال نهار أمس في سجن رومية، ارتدوا ثيابهم الجديدة، وظهروا هادئين، ومتحدثين بغير انفعال عن أوضاعهم. وسبق تعريفهم لأسمائهم حين مباشرتهم الحديث، تعريفهم بنوع الحكم الذي ينفذونه ومدة السجن. بدوا وكأنهم أصبحوا متآلفين مع هذه الأحكام ومتقبّلين لها. حتى ذلك الشاب الذي قال انه محكوم بالإعدام وأنه يسعى إلى استئناف الحكم، لم تظهر على وجهه أدنى علامات الإضطراب. الإختلاط بين المساجين يبدو عادياً وغير غريب أبداً، ومن السهل أن تجد عنصراً من حزب "القوات اللبنانية" المحظورة إلى جانب عنصر من عصبة الأنصار التابعة لأبي محجن، ليس وقوفهما إلى جانب بعضهما متعمداً، وليس في حديثهما تكلفاً، إنهما متفهّمان ومتقبّلان بعضهما لبعض وهما بلا ريب غافران لبعضهما أموراً كثيرة. تمكن الصحافيون من مشاهدة ما في داخل زنزانات الطبقة الأرضية، التي تصيب من يقف قبالتها، زخّات من الهواء الساخن المصحوب برائحة رطوبة محدودة، فيما أبدى نزلاء هذه الزنزانات انزعاجاً من التطفل على داوخل غرفهم، والنظر إلى أغراضهم الخاصة. الموسيقى المنبعثة من آلات فرقة قوى الأمن الداخلي، التي مهّدت للمباراة بمعزوفات عدة، دمجت الحاضرين شرطة وصحافة ومساجين في إيقاع واحد وألغت حدود وظائف الجميع. إذ خففت من حال تأهب الشرطيين، وجعلت المساجين يصفقون وراءها ويرفعون التحيات لعناصر الأمن. وزاد التصفيق عندما شاهد المساجين صحافية تحرّك جسمها قليلاً على إيقاع الموسيقى. أما الفرق الرياضية التي وقف أعضاؤها في صفوف منتظمة في صدر ملعب الباطون غير المجهّز والذي تتخلله "ريغارات" حديد، فكانوا متأهبين تماماً كما تتأهب الفرق الرياضية في المباريات الدولية. كانوا فريقي الأبطال والصقور، قائد فريق الأبطال اسمه عبدالفتّاح الحايك محكوم بالسجن المؤبّد، أما نجمه ومسجل إصاباته فكان جهاد محمد تركي الخليل الذي سبق أن اتهم بتفجير مبنى "أسمبلي هول" في الجامعة الأميركية. اللاعبون استبسلوا في الدفاع عن مرماهم، وكانت اجسادهم تتدافع في شكل عنيف محاولة التقاط الكرة، وكان الصحافيون والحضور يديرون وجوههم ما أن يروا لاعباً يقع على "ريغار" الحديد، ولكنه كان اقل اكتراثاً بجسمه منهم، فيعود من فوره للوقوف واللحاق من جديد بالكرة. الأهداف كانت تتلاحق بسرعة أكبر من تلك التي تسجل فيها عادة الأهداف، وكان معظم جمهوري الفريقين يقفون على نوافذ طابقيهما مصفقين ومشجعين. حكم المباراة سجين أيضاً وهو عراقي الجنسية، واللاعب لا يعاقب ب"فاول" فقط عندما يلمس الكرة بيده او يتحرش بلاعب آخر، بل أيضاً عندما يطلق صوتاً عالياً. اما حارسا المرميين فكان صوت ارتطام جسميهما بالأرض حين يقفزان في الهواء ويسقطان، قوياً، ولكن من دون ان يبدو على وجهيهما ادنى علامات الألم. السجن ما زال ضيقاً على عدد من المساجين، كما ردد كثيرون منهم. والأروقة والممرات كانت نظيفة اكثر هذه المرة، والشرطيون كانوا على حال من الوئام مع السجناء. والصحافيون الذين جاؤوا أيضاً محاولين اقتفاء أثر المسؤولين السابقين الذين أوقفوا في قضايا الإهدار لم يوفقوا برؤية أحد من هؤلاء، سوى أنهم صادفوا شرطياً يحمل وجبة غداء خاصة بالرئىس السابق لمجلس إدارة مرفأ بيروت مهيب عيتاني. وفي خارج السجن كان صديقان لمدير المكتب الوطني للدواء الموقوف قاسم حمادة ينتظران الإفراج عنه لاصطحابه إلى المنزل بعدما أخلي.