"فرح قلبي كثيراً وابديت رغبتي في الغناء لهم كل مرة. فهؤلاء اولادنا"، هكذا لخّص الفنان اللبناني وديع الصافي تجربته الأولى في لبنان باحياء حفلة للمساجين في سجن "رومية" بعد ظهر امس لمناسبة عيد الاستقلال. كان الصافي كريماً مع المسجونين الذين اعتبرهم جمهوراً لا ينفصل عن جمهوره في خارج السجن. قدّم لاجلهم اغنية خاصة بهم كتبها الشاعر مارون كرم تحكي عن معاناة السجن وتطلب رحمة الله بالافراج، وعنوانها "الله رحيم". الباحة التي غنى فيها الصافي هي نفسها حيث تقيم "الهيئة العليا للمرشدين الروحيين اللبنانيين" النشاطات الرياضية والاجتماعية، التي ستستمر على ما اكد المدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء عبدالكريم ابراهيم. المسجونون الذين اخرجوا من غرفهم ليحضروا الحفلة بلغ عددهم 606، محكومين وموقوفين، اما الباقون فظلّوا في غرفهم، وشارك كثر منهم في الحفلة من نوافذ مطلة على الباحة، ملوحين بمحارم ومصفقين وهاتفين. لم تدب الحماسة في الحاضرين المسجونين، الذين وضع حاجز حديد بين كراسيهم وكراسي الآتين من الخارج إلا حين تطرق المتكلمون قبل الغناء الى المادة 108 التي سيعمل بها وتنص على خفض مدة العقوبة على المحكومين اذا اثبتوا خلال مدة سجنهم حسن سيرتهم. المسجونون، الذين كانوا في النشاطات السابقة يستغلون وجود صحافيين ليطلبوا منهم ان يثيروا في الصحف هذه المادة لم يبالوا امس بها "لان ثلاثة ارباعنا سيخرجون"، بحسب سجين محكوم بالمؤبد ومسجون منذ نحو عشر سنوات. لم يتحدثوا كثيراً بل وصفوا الوضع بالجيد وكأنهم خارجون من السجن غداً. قبل ان يصعد وديع الصافي الى المنصة ليغني مع موسيقى قوى الامن، ألقى العميد المتقاعد محمد الايوبي كلمة اللواء ابراهيم مخاطباً المسجونين بصفة الاب "يا ابناءنا". وقال سجين انه يتحدث هكذا لان ابنه يحيى مسجون ومحكوم بالاعدام، وهو الآن يميّز الحكم. الأبن نزل من غرفته وسلم على والده ثم عاد لمتابعة الحفلة من الغرفة في الطابق الثاني. اما الاب فاعتبر ان "الخارج سجن كبير وهنا سجن صغير". وساق مثالاً للمطرب وديع الصافي الذي غنى في مصر للمسجونين اغنية منح من اجلها الجنسية المصرية مقترحاً ان "يمنحه وطنه الأم رتبة لواء". صعد الصافي الى المنصة، زالت عن المكان هيبة الخطابات والعسكر، وراح يغني كما يفعل في ارقى مسارح العالم، بمحبة ومودة وتطريب، راح يصدح رافعاً رأسه الى السماء، التي حجبت مطرها، بذاك الصوت الذي ما ان يبلغ ذروة "جوابه" حتى يجعل سور السجن يرتج من قوته وعظمته في بعض مقاطع اغنية "لبنان يا قطعة سما"... طرب الحاضرون جميعاً وراحوا ينادونه ويدعون له بطول العمر ودوام الصحة. لكن المكان الذي قال الصافي فيه ل"الحياة" انه "ليس مكاناً للغناء لكنهم اولادنا ونغني لهم"، فيه "مواهب لو استغلّت للخير لفعلت عجائب"، كما قال ضابط كبير وهو يقدّم سجينين محكومين بقضايا المخدرات، غنيا بصوتين رخيمين قويين فيهما شيء من الكآبة، ازجالاً وعتابا واغاني بعضها لوديع الصافي الذي صفق لهما طرباً واعجاباً، كما المسجونون الذين صفقوا طويلاً لزميليهما وهم يرقصون في اماكنهم.