شخص وزير الخارجية الاميركية السابق هنري كيسنجر، صعوبة العلاقة بين الادارة والكونغرس في كتابه الاخير "سنوات التجديد" بقوله: شهدت نهاية عهد نيكسون، بما حملته من فضيحة ووترغيت وحرب فيتنام، تردي العلاقة بين الكونغرس السلطة التشريعية والادارة السلطة التنفيذية، فبعد ان تراجع دور رؤوساء اللجان المختصة الشؤون الخارجية، الدفاع، المخابرات كاداة وصل بين الادارة واعضاء الكونغرس، اضطرت الادارة للتعامل وبالتالي التفاوض مع عدد اكبر من أعضاء الكونغرس، وبتزايد تدخل اعضاء الكونغرس في تفاصيل الشؤون الخارجية تضخم الجهاز الاداري لعضو الكونغرس لمساعدته في متابعة مختلف الشؤون الدولية، ولضخامة وتعقيد الامور الدولية ازداد اعتماد عضو الكونغرس على مساعدية الاداريين، وهذه حقيقة ادركتها قوى الضغط المختلفة وعملت على استغلالها. ولمواجهة النفوذ المتزايد للجهاز الاداري لعضو الكونغرس، وجدت الادارة نفسها تعيش دوامة من المفاوضات التفصيلية داخليا ومع موظفي الكونغرس من اجل التأثير في ادق تفاصل السياسة الخارجية. ان السياسة الاميركية الحالية تجاه العراق هي نموذج لهذا التطور في دور الكونغرس في السياسة الخارجية لأميركا. فالقضية العراقية اصبحت محكومة بمناخ الصراع بين كونغرس يخضع لأغلبية جمهورية أرادت خلع رئىس الدولة الديموقراطي، وادارة ترفض الإنجرار الى سياسة تمليها مصالح حزبية آنية على حساب نهج طويل الأمد يأخذ الواقع الاقليمي والدولي بعين الاعتبار. لم يحصل الرئىس بوش، وهو جمهوري، على دعم الكونغرس لعملية "عاصفة الصحراء" عام 1990 الا بأغلبية اصوات قليلة، ولكن ذات الكونغرس تحول في السنوات الاخيرة الى اشد المنتقدين لسياسة الادارة، وهي ديموقراطية، بتهمة التلكؤ والضعف تجاه النظام العراقي. وفي واقع الحال ان كلا الكونغرس والادارة متفقان على ضرورة التخلص من النظام العراقي الحالي، كما ان كلا الجانبين متفقان على عدم التورط في استخدام قوات اميركية برية. السؤال هو كيف يمكن التخلص من نظام صدام حسين دون اللجوء الى استخدام قوات اميركية برية؟ الكونغرس: قانون تحرير العراق اداة التغيير وجد قادة الكونغرس ضالتهم في "قانون تحرير العراق"، وذلك باعتماد المعارضة العراقية وتحديدا "المؤتمر الوطني العراقي" اداة عسكرية وسياسية لتحقيق هدف التغيير وذلك ب"الاستعانة بمعدات عسكرية من مخازن وزارة الدفاع واعطائها الى منظمات المعارضة العراقية. كما يستطيع الاستعانة بخدمات الدفاع وامكانيات التعليم والتدريب العسكرية لمساعدة تلك المنظمات على ان لاتزيد قيمتها عن مبلغ 97 مليون دولار اميركي". وفي تعليق على اعتماد هذا القانون قال السيناتور جيسي هليمز، من اليمين الجمهوري ورئىس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ: "هذا القانون سيبدأ العملية التي طال انتظارها وهي الاطاحة بصدام حسين: هذا القانون لن يرسل او يورط قوات اميركية بأي شكل كان، ولكنه يسترجع ذكرى الانتصارات التي أحرزت في عهد الرئىس ريغان بتجنيد الذين يتعرضون للأضطهاد. اشارة الى افغانستان والكونترا في نيكاراغوا. واضاف قائلاً: "هذا القانون يفرض على رئىس الجمهورية ان يرشح طرفاً او اطراف معارضة عراقية للحصول على المساعدات العسكرية، ولكن لا يستوجب على الرئىس النظر بعيداً، فالمؤتمر الوطني العراقي كان قد ازدهر في السابق كمظلة تنظيمية للأكراد والشيعة والسنة، من الواجب على المؤتمر ان يزدهر مرة اخرى ويستوجب علينا ان نساعده". واضاف: "اني أنصح الرئىس باختيار مجموعة واحدة فقط وهي المؤتمر الوطني العراقي". الادارة: "الاحتواء زائداً" اداة التغيير ان الادارة الاميركية، وهي التي ساهمت بإيجاد المؤتمر الوطني العراقي، أدرى بحقيقته، وانه ليس بالكونترا او قوات المجاهدين في افغانستان. وهذا ما عكسته رسالة الرئىس كلينتون للكونغرس بتاريخ 20/1/1999 بشأن تنفيذ "القانون" بقوله: ان "التغيير في العراق سيستغرق وقتاً، يجب ان نتعامل مع هذه المشكلة بحصافة بما يضمن ان نحقق هدفنا ولا نعرّض ارواح اولئك الذين يلتزمون معارضة النظام الى الخطر من دون ضرورة". واضاف: "وسنتقدم بحذر وفاعلية، بطريقة لا تعرّض الى الخطر من دون داع ارواح اولئك الذين يشاطرون هذه الاهداف او تزج بقوات اميركية من دون ادراك واضح لاحتمال النجاح والمخاطر المرتبطة بمثل هذا الالتزام". والترجمة العملية لهذه السياسة هي استمرار سياسة الاحتواء مع العمل على توفير مناخ مناسب للتغيير، فشنت عملية "ثعلب الصحراء"، واعقبتها بضرب جوي مستمر للاهداف العراقية. أما عن تسليح المعارضة، فيقول انديك نيسان 99: "ان مثل هذا العمل سابق لاوانه"، وانما المطلوب هو مظلة سياسية عراقية واسعة القواعد "تعتمد التوافق" تعمل على "بلورة رؤية للمستقبل"، وعبر مثل هذه الحركة يمكن التنسيق والتعاون المشترك بين الولاياتالمتحدة والمعارضة. على هذه الخلفية عمدت الادارة الى دعوة المجلس التنفيذي للمؤتمر الوطني للاجتماع، وضغطت على اطراف منسحبة او مجمدة لنشاطها للمشاركة في الاجتماع الذي عقد في وندسور في آذار مارس 1999، والذي تمخض عن انتخاب قيادة سباعية موقتة للمؤتمر. كما وفرت الادارة الاميركية لهذه القيادة الجديدة الخدمات المكتبية من مقر وسكرتارية، وذهبت الى اكثر من ذلك في الاصرار على حصر التعامل مع المعارضة في اطار مايتمخض عنه اجتماع موسع يضم عناصر المؤتمر الوطني وقوى اخرى خارجه عنه. وقد استجابت بعض العناصر والقوى السياسية في داخل المؤتمر وخارجه لفكرة الاجتماع الموسع كوسيلة للخروج باطار سياسي افضل واقدر على التعامل مع الشأن العراقي والادارة الاميركية. ان قناعة بعض الاطراف، باهمية الدور الاميركي دفعها لقبول صيغة "لجنة تحضيرية" تضم، اضافة الى ممثلي "المؤتمر" وتيار "الوسط"، كافة القوى المناهضة للديكتاتورية للتحضير لعقد الاجتماع الموسع. وبموجب البيان المشترك بين الطرفين في 6 تموز يوليو الماضي، ترك للجنة التحضيرية الاعداد "لعقد اجتماع موسع يمثل كافة القوى والشخصيات العراقية السياسية داخل وخارج المؤتمر الوطني العراقي، وذلك لانتخاب قيادة سياسية موحدة".. و"الاتفاق على القواعد الاجرائية والادارية والمالية، ومكان وزمان انعقاد الاجتماع". كان بإمكان مثل هذه الصيغة ان تساعد في استرجاع المعارضة العراقية لعافيتها، وتجمد صراع الادارة مع الكونغرس الذي طالما استخدم اسم "المؤتمر الوطني العراقي" وبالذات شخص رئىس المجلس التنفيذي السابق أحمد الجلبي للهجوم على الادارة واتهامها بالتقصير، فاصبح المعارض العراقي الوحيد الذي يدعى لجلسات الاستماع الخاصة بالكونغرس، وبالمقابل بات المؤتمر الوطني بالنسبة لقادة الكونغرس عبارة عن شخص معين بذاته. وهذا امر لا يضمنه تأليف اللجنة التحضيرية او انعقاد اجتماع موسع لقوى المعارضة العراقية. فأصبح اجهاض مثل هذا التحول هدفاً لمن يخشى نتائجه. رسالة القيادة الموقتة ورد الخارجية الاميركية جاءت رسالة القيادة الموقتة للمؤتمر الوطني الى وزيرة الخارجية الاميركية بتاريخ 7 تموز 1999، بطلب توفير الضمانات والحماية لعقد اجتماع الجمعية الوطنية للمؤتمر الوطني في كردستان لتصب الزيت على النار بين الكونغرس والادارة. لم يسبق الرسالة اي بحث في اللجنة التحضيرية، علماً ان "تيار الوسط" سبق وإن ابدى تفضيله بريطانيا مكاناً للاجتماع الموسع لأسباب عدة منها الاقتصاد بالنفقات، ولعدم استعداد الطرف الكردي استضافة الاجتماع "قبل توصل القيادات الكردية والادارة الاميركية الى صيغة تطمئن الاكراد من ردود فعل حكومة بغداد" الحياة 28/7/1999. والرسالة لم تكتف بطلب حماية عقد اجتماع الجمعية الوطنية، بل طلبت، بناء على رغبة الحزب الديموقراطي الكردستاني، حماية لما بعد الاجتماع. في هذا الطلب تجاوز للصيغة المتفق عليها بين الادارة الاميركية والطرفين الكرديين الموقعة في ايلول سبتمبر 1998، وذلك لأن الحماية الواردة في رسالة القيادة الموقتة تعني تصعيدا لدور اميركا بحيث يتطلب حضورا لقوات برية اميركية بحدود الفرقة وهذا ليس في وارد واشنطن الآن. رد نائب وزيرة الخارجية ستروب تالبوت، بتاريخ 29 تموز 99 يقول: في رسالتكم اثرتم موضوع الامن. وهذا أمر سيبقى في غاية الاهمية بغض النظر اين سيعقد الاجتماع. واذا ما قرر عقد المؤتمر في داخل العراق ستقع مسؤولية توفير الامن على عاتق قوات المقاومة الشعبية المتحالفة مع المؤتمر الوطني العراقي. وان اختيار مكان انعقاد الاجتماع سيبقى من مسؤوليتكم. هذا وبالطبع، كأمر منفصل، تبقى الولاياتالمتحدة ملتزمة بتعهداتها التي تقدمت بها في ايلول الماضي بما يتعلق باتفاق المصالحة بين الزعيمين الكرديين. وقد قالت الوزيرة اولبرايت انذاك، في حال تحرك نظام بغداد ضد الشعب في الشمال، فإن الولاياتالمتحدة سترد بقوة وبطريقة مؤكدة في الوقت والمكان المناسب لها. هذا واننا نبقى اليوم ملتزمين بهذا التعهد بدون زيادة أو تعديل. لا اعتقد ان القيادة الموقتة للمؤتمر كانت تتوقع غير هذا الرد، فطلب الطرف الكردي الحماية لما بعد الاجتماع كانت اقرب للتعجيز ولرفع العتب لعدم الموافقة على استضافة المؤتمر. والسؤال الآن: من له مصلحة في إحراج الادارة الاميركية، في وقت لم يبق للموتمر الوطني، والاكراد خاصة، من حليف سوى تلك الادارة؟ خاصة وان مثل هذا الاحراج يصب في خدمة النظام العراقي، الذي سيعتبره دليلاً آخر على عدم جدوى الاعتماد على اميركا وان "كيانات" الأكراد و"وزاراتهم" تبقى حالة موقتة مرهونة بقرار النظام العراقي. وللمفارقة ان يكون قادة الكونغرس هم الطرف المستفيد ايضاً، فتقدم قادة الكونغرس ترنت لوت رئىس الاغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ، وجيسي هليمز رئىس لجنة العلاقات الدولية في مجلس الشيوخ، وريتشارد شلبي رئىس لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ، وبنجامين غيلمان رئىس لجنة العلاقات الدولية في مجلس النواب، اضافة الى سام براونباك، واثنين من الديموقراطيين، ليبرمان وبيرمان، برسالة شديدة الانتقاد الى رئىس الجمهورية بتاريخ 11 اب اغسطس 1999، تطالب في نهايتها: أ- إعلان حد زمني قريب لاستئناف عمليات التفتيش الدولي في العراق، مع التأكيد على ان عدم الانصياع لذلك الانذار سيؤدي الى عواقب وخيمة مثل توجيه ضربات عسكرية جديدة تركز على منشآت تصنيع اسلحة الدمار، وأهداف ترتبط بسيطرة صدام على السلطة، وكذلك توسيع جديد لمنطقتي الحظر الجوي. ب - تقديم الضمانات الامنية لمناهضي صدام كما وردت في خطاب المجلس التنفيذي للمؤتمر الوطني العراقي يوم 7 تموز يوليو الماضي. وهذا ليس لمجرد العمل المشرف الذي ينبغي علينا القيام به، ولكنه ضروري لعكس الاشارة الخطيرة الكامنة برد الادارة الاولي لخطاب المعارضة. ج- دعم جهود المؤتمر الوطني لعقد اجتماع الجمعية الوطنية في المستقبل القريب في اي مكان يختاره، وبضمنها شمال العراق او واشنطن. كذلك حث دول اخرى لإيفاد مراقبين لإبداء تأييدهم، وتسهيل حضورهم. د- البدء الفوري بتقديم المعونات المهمة للجماعات العراقية المعنية. هذه المعونات يجب ان تتضمن المعونات العينية والتدريب تحت اسس قانون تحرير العراق. المعارضة لديها حاجة فورية الى أجهزة اتصال، ولباس عسكري، وأجهزة رصد. كما يجب تقديم الدعم اللازم للبدء في بث اذاعي مباشر على موجة اف ام الى داخل بغداد وكذلك انشاء محطة تلفزيون خاصة بالمعارضة على ان تقام منشآت البث في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة في الشمال. وبينما يمكن اجراء التدريبات خارج العراق، فإن الادارة يجب ان تبدأ في ادخال المعدات العسكرية وغير العسكرية الى العراق للمساعدة في احداث التغيير. رسالة الكونغرس مزايدة ام جهل؟ - ان اعلاناً زمنياً قريباً لاستئناف عمليات التفتيش الدولي في العراق دون القدرة على تنفيذ التهديد القادر على اجبار بغداد للانصياع هو عين الخدمة للنظام العراقي، والعزلة لواشنطن في المحيط الاقليمي والدولي المستاء اصلاً من استمرار القصف دون جدوى. فقد قامت الطائرات الاميركية والبريطانية خلال الاشهر الثمانية الماضية باطلاق اكثر من 1100 صاروخ ضد 359 هدفاً في العراق، وهو ما يزيد اكثر من ثلاثة اضعاف الاهداف التي تم قصفها خلال غارات الايام الاربعة من شهر كانون الاول ديسمبر الماضي في ما عرف بعملية "ثعلب الصحراء"، وبتكلفة تزيد على بليون دولار سنوياً. - أما قول الكونغرس "ان قانون تحرير العراق ينص على تقديم المعونات بغض النظر عن اي عوائق قانونية دولية اخرى"، يعني أولوية "قانون تحرير العراق" على قرارات مجلس الامن، فهو تكريس لسياسة الكيل بمكيالين التي تصب في عزلة الولاياتالمتحدة دولياً، وبالذات على صعيد مجلس الامن الدولي. - صحيح ان رسالة قيادة المؤتمر الموقتة لم تطلب تواجد قوات اميركية برية، ولكن طبيعة الضمانات طويلة الأمد تتطلب اذا ما أُريد لها النجاح والردع، حسب قناعة المختصين من البنتاغون، تواجد قوات برية، وهذا ما لا يقبل به حتى الكونغرس، وما رفضت الادارة اعتماده حتى في كوسوفو. - ان قوات تحرير كوسوفو كان لها الدور الكبير في تكبيد الجيش الصربي أفدح الخسائر بالتعاون مع طيران الاطلسي، وياترى هل ان الحزبين الكرديين مستعدان للتعاون فيما بينهما ناهيك عن التعاون مع طيران اميركي لصد قوات الجيش العراقي؟ - ان الكونغرس لايزال يعيش وهم "المؤتمر الوطني العراقي"، كمظلة للجميع، وما تحقق في اجتماع وندسور يعود الفضل فيه للادارة، ومع ذلك فإن مكونات القيادة المؤقتة للمؤتمر الوطني هي: الحزبان الكرديان وكلاهما يتعامل مع المؤتمر كجهد مكمل وثانوي، كما ان الطالباني شارك البارزاني في انتقاد قانون تحرير العراق. اضافة الى ان الاجندة السياسية لكلا الحزبين، بعد ان ترسخت مواقعهما في كردستان العراق، باتت تختلف الى حد كبير عن قوى المعارضة الاخرى، فالاكراد على غير استعداد للتضحية بمكاسبهم بالدخول في مواجهة مع النظام العراقي باسم دعم المعارضة العراقية. ومطالبتهم بالحماية والضمانة الاميركية قبل الإقدام على اي عمل ضد بغداد تعكس هذه الحقيقة، وهذا ما تكرس في اتفاق واشنطن بين الحزبين في ايلول 1998، القائم على عدم التعاون مع النظام في بغداد ولكن دون استفزازه. أما الطرف الآخر في القيادة الموقتة للمؤتمر فهو المجلس الاعلى للثورة الاسلامية، الذي رفض أخذ موقعه في القيادة الموقتة، وينتظر ماتتمخض عنه التطورات لتحديد موقفه النهائي خاصة وان حزب الدعوة الاسلامية ومعظم رموز التيار الاسلامي الشيعي والسني رفضت التعاون مع القيادة الموقتة للمؤتمر الوطني. اما حركة الوفاق الوطني، فقد عززت مواقعها إبان غياب "المؤتمر" وباتت الحليف الرئيسي للولايات المتحدة واستطاعت ملء الفراغ عبر نشاط سياسي واعلامي امتد الى اكثر من قطر عربي واقليمي، دون الحاجة الى "المؤتمر" الذي سبق وان جمدت عضويتها فيه. أما بقية القيادة الموقتة فهم ثلاثة احدهم اسلامي انسحب مؤخراً، والآخر مستقل والثالث هو رئىس المجلس التنفيذي السابق. - ان طرح اشكالية مكان انعقاد "الجمعية الوطنية" قبل استكمال مستلزمات وحدة المعارضة، وهو الامر الاهم، هو في احسن الاحوال مناورة لكسب المواقع او التعجيز لا تعكس نية جدية بالعمل المشترك. هذا وان عقد الاجتماع في كردستان لم يكن اصلاً شرطاً لعقد "الجمعية الوطنية" او حتى "الاجتماع الموسع" مع بقية قوى المعارضة. ويبقى هناك احتمال آخر، وهو عقد اجتماع "الجمعية الوطنية" للمؤتمر الوطني في مدينة حلبجة الكردية بالقرب من الحدود الايرانية، بغطاء ايراني، يشارك فيه المجلس الاعلى للثورة الاسلامية والاتحاد الوطني الكردستاني بمشاركة من يحضر من القيادة الموقتة وبالذات احمد الجلبي - علماً ان الاخير والسيد الحكيم أبديا تأييدهما لاجتماع يعقد في حلبجة - بما يفرض قيادة جديدة، تشكل محوراً سياسياً جديداً يعتمد اساساً على ايران ويلوح ب"شرعية" المؤتمر الوطني لكسب تأييد الكونغرس الاميركي. وان مثل هذا المحور ليس بوارد قيام "لجنة تحضيرية" او عقد اجتماع موسع لوحدة المعارضة. - أما عن تقديم المساعدات العسكرية للمؤتمر الوطني العراقي، فالسؤل عن اي طريق سيتم توصيلها والى من ستعطى؟ الى قوات بدر التابعة للمجلس الاعلى للثورة الاسلامية التي تتخذ من ايران مقرا لها، او ترسل عبر ايران او الكويت او السعودية؟ ام تعطى المساعدات العسكرية الى ميليشيات الاكراد المتناحرة، وعبر تركيا التي ترفض مثل هذا الاجراء؟ ولا ادري كيف توصل الكونغرس الى ان المعارضة العراقية بحاجة فورية الى "أجهزة اتصال، ولباس عسكري، واجهزة رصد"!! اما عن الحاجة الى اذاعة، فإن هناك اكثر من اذاعة للمعارضة، آخرها اذاعة العراق الحر التي تبث من براغ، اضافة الى اذاعة المستقبل لحركة الوفاق، واذاعات المعارضة في كل من السعودية وايران، ناهيك عن عدد من التلفزيونات والاذاعات الحزبية القائمة فعلا في كردستان العراق، وبالامكان تحويل اي منها الى موجة اف ام. - ان شمال العراق وجنوبه غارقان في السلاح، وهذا ما تؤكده احداث المقاومة في الجنوب، أما في الشمال فيقدر عدد ميليشيات الحزبين الكرديين الكبيرين بأكثر من ستين الف مقاتل بالامكان زيادتهم الى اكثر من مئة الف عند الضرورة. ما يفتقده هؤلاء برنامج عمل مشترك في ظل قيادة عراقية موحدة، وليس السلاح. واخيراً اذا كانت الادارة لا تملك وصفة جاهزة للتغيير السياسي في العراق فإن مناورات قادة الكونغرس زادت الطين بله بتكريس انقسام المعارضة العراقية بإصرارها على آليات وشخصيات معينة وجدت الادارة نفسها مضطرة لمسايرتها على حساب مراجعة جذرية كفيلة بالمساعدة على تحقيق وحدة القوى العراقية المناهضة للديكتاتورية. * كاتب وسياسي عراقي مقيم في بريطانيا.