260 شاباً وشابة، من أصول لبنانية وصلوا من نحو 22 دولة في العالم الى وطن آبائهم الذي لا يعرفون فيه شيئاً يحنون إليه. لكنهم حملوا اسماء معظمها لبناني، وأخباراً عن لبنان تواترت اليهم من أهاليهم واحياناً من وسائل اعلام. لكن الاخبار لم تكن صادقة تماماً اذ كل واحد منهم وجد صورة مختلفة عمّا تخيل. والصور الحديثة التي انطبعت في اذهان الشباب الوافدين كانت ايجابية جداً على ما عبّروا مجتمعين حين التقتهم "الحياة". والشباب جاؤوا للمشاركة في المخيم الثالث ل"شباب لبنان المغترب" الذي تنظمه سنوياً وزارة المغتربين بهدف "تعريف المغتربين بوطنهم الأم" اضافة الى تعرفهم الى لبنانيين وبعضهم الى بعض. اقيم المخيم الذي بدأ في 16 تموز يوليو واستمر الى 26 منه، في مدرسة "برمانا هاي سكول"، وكان منه الانطلاق يومياً الى المناطق اللبنانية وبخاصة الاماكن الاثرية ومقرات المسؤولين اللبنانيين الذين التقوهم مرحبين بهم في وطنهم ومعتبرينهم "ثروة للبنان". وهم حضروا الى لبنان من البرازيل والارجنتين وتشيلي وفنزويلا والاكوادور وكولومبيا والولايات المتحدةوكندا وفرنسا والسويد وانكلترا والدنمارك وهولندا والامارات والسعودية والكويت وسييراليون وساحل العاج وتشاد وغيرها... بعض الشباب شارك في مخيم العام الماضي وبعض يشارك للمرة الاولى، والبعض الثالث جاء قبل موعده، والبعض جاء ليتابع دراسته في لبنان ولم يفوّت المشاركة، فابراهيم الخوري 19 عاماً وهو برازيلي أصله من منطقة عكار يتكلم العربية بلهجة شمال لبنان. جاء قبل شهر ليتابع تعليمه في لبنان، وقال "جئت لادرس الهندسة في الجامعة اليسوعية وبعدها اعود الى البرازيل حيث يقيم اهلي". وعن المخيم اوضح انه شارك العام الماضي وهذا العام "لأنه جميل، وفرحنا فيه كثيراً، إذ جلنا مناطق لبنانية لم نكن نعرفها من قبل مثل مدينة صور وتعرفنا الى اناس جدد ايضاً". وسامي المصري 17 عاماً جاء من السعودية للمشاركة في المخيم الذي وصفه بانه "جميل جداً". وهو يشارك للمرة الاولى، وكان تقدم بطلب الى الوزارة من اجل المشاركة وقبلوه. وكان سامي زار لبنان قبل ثلاث سنوات وعبر عن ملاحظته ل"تطور البلد الذي ظهر سريعاً وبدا الفرق واضحاً عما كان عليه من قبل". وعن النشاطات التي قام بها في المخيم قال "كنا نلعب كرة السلة وكرة القدم ونسبح". اما حسن ناصر 16 عاماً وهو في الأصل من البقاع الغربي فكان لمجيئه اهداف عدة منها المشاركة في المخيم والعيش في لبنان "لأتعلم لغتي اكثر وتسجلت لهذه الغاية في الصف الثانوي الاول". وعن المخيم اجاب "عرفت به في البرازيل وشاركت لأننا نتعلم من خلاله الى اشياء لا نعرفها من تراث بلدنا وثقافته اضافة الى المناطق اللبنانية التي سمعت عنها قبل ان آتي الى لبنان". وهل الصور تطابقت مع ما يحمله في مخيلته؟ قال "ليس كل شيء متطابقاً مئة في المئة، لكن الصورة تبدلت إذ سبق أن تخيلت ان لبنان بلد قديم بسبب الحرب. رأيت العكس، فالبلد متطور وفيه تحسن كبير ما يجعلنا نعود الى اصولنا في لبنان". وأوضح حسن انه تعرف من خلال المخيم الى لبنانيين جدد وإلى مناطق لبنانية منها جبيل وصور وقانا وزحلة وبعلبك "المدهشة". مشيراً الى بعض الاشكالات التي حصلت اذ "كان الآتون من كندا يسخرون ويتعبون لنا اعصابنا، اضافة الى حصول بعض "اللخبطات" مثل تأخر بعض المشاركين عن المواعيد". وحسن كان الوحيد بين رفاقه في المجموعة التي التقتها "الحياة"، يتكلم العربية والانكيزية والبرتغالية. وتبرع بالقيام بدور المترجم والمرشد والباحث عن راغب في التحدث اذ امتنع بعض الشباب، وتحدث البعض الآخر، وهناك من أجاب على مضض. وبدا البرازيليون غربيين في حركاتهم وتصرفاتهم اكثر مما هم لبنانيون، وقام بعضهم في الباص الذي كان يقلهم من مبنى الوزارة الى الفندق في ختام المخيم، ببعض التصرفات التي لا تزال غير مألوفة في شوارع لبنان او امام الناس على اعتبارها من الخصوصيات. لكن الحرية في لبنان وعادات الوافدين لم تحل دون تبادل شاب وفتاة القبل. وانتبهت الفتاة الى حسن حين صاح بأعلى صوته بالبرتغالية سائلاً عن فتاة تقبل بالتحدث، فوافقت وهي لا تزال مع صديقها. فذكرت اسمها ثم عدلت عن رأيها وعادت الىه. وبين "مفاوضات" الموافقة وهدير الباص اندفع فابيو صايغ 18 عاماً بنخوة زحلية نسبة الى زحلة ليتحدث عن تجربته في المخيم وعن لبنان. وقال "أولاً، لبنان بلد مهم جداً وفيه اماكن اثرية كثيرة وثقافته مهمة للناس جميعاً". يصرخ في زملائه بنبرة فيها شيء من الغضب "كارجاً" جملة برتغالية هدأت الاصوات على اثرها قليلاً. وتابع موضحاً أن في لبنان قوة تشده إليه والى هذا الشعب "المتوحد الذي لم تستطع الحرب ان تفرقه". وكان فابيو يتصور ان شعب لبنان فقير ولا توجد في البلد مناطق اثرية وانه ليس جميلاً "الى هذا الحد". لكنه رآه غير ذلك "وهو مدهش وهذا الشعب المتوحد فتح لنا كل الابواب". وقال ان "الناس كانوا يستقبلوننا ويهتمون بنا ويساعدوننا". وهو احب الآثار في لبنان وبخاصة بعلبك والفتيات اللبنانيات "الجميلات مع سحرهن". ويفكر في ان يأتي كل عام الى لبنان. وعن المخيم قال "كان جميلاً، والمشكلة الوحيدة التي واجهتها ان الاتصالات الهاتفية باهظة جداً والخطوط دائماً مشغولة لكن المنظمين وعدونا بأنهم سيهتمون بالامر". واعرب عن عزمه على تعلم اللغة العربية وسيبدأ بتعلمها "جيداً" حين يصل الى ساو باولو. وهل حفظت عبارات منها؟ اجاب بالعربية "شكراً، مرحبا، كيفك، صحتين، انتِ حلوة متل قمر، اعطيني بوسة". فقاطعه المترجم حسن قائلاً "شكراً، شكراً، تكلمت كفاية". وباتريسيا برباري، وهذه اول زيارة لها، كانت تظن ان البلد فقير ومتراجع من جراء الحرب لكنها تفاجأت "بأن لبنان متوحد وجميل على رغم كل ما حصل في الحرب، وهناك كثير من العمارات الجديدة التي تدل الى مستقبل لبنان واعجبني ان لدى البلد قوة ليعود بعد كل هذه الحرب". اما اليسا عون وهي من حاصبيا، فاعتبرت ان مجيئها الى لبنان، وهذه اول زيارة لها، "اجمل سفر تقوم به في حياتها على الاطلاق". واذ اشاد اصحابها بالآثار وجمال المناطق اللبنانية فانها لم تنكر هذا الجمال لكن ما اعجبها كثيراً هو "الشعب" في لبنان. وكانت صورة لبنان في مخيلة اليسا بلداً فقيراً متألماً لا فرح فيه، لكنها رأت كل شيء جميلاً والشعب فرحاً وشبعاً. وهذا، تقول "جعلني اشعر بشيء جيد حيال بلدي". وكررت ان "الناس في لبنان هم اجمل شيء فيه. الآثارات امر غير معقول لكن الناس هم الذين استطاعوا ان يبنوا هذه الآثارات في اماكن جميلة ومميزة، ولولاهم لما استطعنا ان نشاهد هذه الحضارات". وهذه الاشياء التي رأتها ستجعلها تعود اكثر الى لبنان لأنه جيد جداً "وجميل ان تتحدث مع اناس من شعبك وتتعرف اليهم وتتفهم اوضاعهم".