الشبان الثلاثمئة المتحدرون من اصل لبناني الذين جاءوا الى لبنان للمشاركة في مخيم شباب لبنان المغترب نظمته وزارة المغتربين هم من الجيل الاغترابي الثالث، ولا يجيد معظمهم العربية، وبعضهم يتحدثها او يتحدث بعض كلماتها كما وصلت اليه من اجداده. الاحرف والكلمات تنفخ في الفم قبل ان تلفظ، ويسأل من زارهم او شاهدهم في مخيمهم من اللبنانيين عن مصدر هذه اللكنة التي ربما لقلة استعمالها وعتقها في ذاكرة الجيل الاغترابي الاول، انتفخت وتمددت حتى لم تعد تشبه اي لهجة من لهجات المناطق اللبنانية. انها لهجة المغتربين الاوائل الذين توحدوا حولها، وقد انتقلت الى الاحفاد مع ما رافق هذا الانتقال من تهجين واختلاط بلغات تلك الدول البعيدة ولهجاتها. ويضاف الى ذلك انقطاع مديد عن نطقها، فبقي على ألسن شبان الجيل الثالث منها، كلمات يحتاج فهمها الى ان يرافق نطقها جهد جسدي مضاعف، فيظهرون اثناء محاولاتهم التحدث بعضهم مع بعض، او مع موظفي وزارة المغتربين اشبه براقصين، تساعدهم اجسامهم وهيئاتهم التي تبدو لحداثتها وخفتها مهيأة تماماً لذلك، فيلبث القادم الى مخيمهم مدهوشاً بانسجام تلك الكلمات الركيكة والمبعثرة والعتيقة التي ينطقونها في نسقٍ من الايحاءات البدنية. القسم الاكبر من هؤلاء الشبان جاءوا من المغتربات اللبنانية القديمة، تلك التي غادر اللبنانيون اليها في بداية القرن، اي الارجنتين وفنزويللا والبرازيل والولايات المتحدةوأستراليا اضافة الى المغتربات الجديدة ككندا وبعض الدول العربية. ومعظمهم ايضاً لم يسبق له ان جاء الى لبنان، ولذلك فهم يحتفظون له بصورة نقلها اليهم آباؤهم عن جدادهم، وأصابها بدورها ما اصاب اللكنة التي يتكلمونها. لبنان ليس وطن هؤلاء الشبان الاول، انه نزهة جميلة ولكن ما يربطهم في بلدانهم تلك، امور اقوى من حكايات الاجداد ومن زيارة يقومون بها. وبهذا المعنى تبدو وزارة المغتربين فاقدة الحيلة حيال هؤلاء الذين اقامت لهم مخيماً لإعادة ربطهم بلبنان كما تقول. ف"أدولفو سانتيس" وهو أرجنتيني من اصل لبناني من بلدة زكريت التي يلفظ اسمها بصعوبة يقول انه أرجنتيني في الدرجة الاولى. وهو وان بقيت بعض "لبنانية" في ملامحه وأخلاقه لا يستطيع العيش في لبنان. ويقول ان "سبب ذلك ان الحياة في الارجنتين افضل ففيها حرية اكثر. والمجال اوسع امام شاب او مراهق، وتعرفنا اثناء المخيم الى شباب وصبايا لبنانيين، اخبرونا ان حياتهم مقيدة بأوضاع اجتماعية تقليدية". يحاول الشبان التأكيد انهم صنف اجتماعي ثالث، فأن يكون برازيلياً من اصل لبناني امر مختلف عن ان يكون من اصل أوروبي. ويصح هذا في الحالين الكندية والفنزولية. وتقول ليلى بلوط، وهو أسترالية من اصل لبناني من مدينة صور تحديداً انها لا يمكنها ان تتزوج بشاب لبناني ولا بآخر أسترالي، فهي تفضله مثلها أسترالي من اصل لبناني، وأنها لا تستطيع العيش في لبنان لأسباب تبدأ بكيف يقود اللبنانيون سياراتهم وكيف يأكلون ويشربون، ولا تنتهي عند انماط العيش الاخرى. وتوافقها صديقتها الكندية اللبنانية آماندا شحادة وهي من بلدة جب جنين البقاع الغربي الرأي، وتضيف سبباً جديداً لميلها هذا وهو صعوبة الحياة بالمعنى الاقتصادي والمعيشي في لبنان. الملاحظة الاولى التي يبديها هؤلاء الشبان عن لبنان هي تلوث شاطئه، وعدم اكتراث اللبنانيين الى مسألة البيئة. ويقول الشاب البرازيلي إدواردو بيطار وأصله من بلدة رأس بعلبك، انه لكثرة ما سمع عن لبنان من اهله وجده، كان يعتقد ان "بيروت اكبر من ساو باولو، وان المسافة التي تفصلها عن بعلبك يجب قطعها بالطائرة". وينتقد التلفزيون البرازيلي لأنه غالباً ما يقرن حديثه عن لبنان ب"حزب الله" الذي جاء إدواردو معتقداً انه سيجد عناصره على المطار. لكنه لم يلاحظ هذا الوجود الا في مدينة بعلبك وجوارها. اما رويدة وشادية ريشاني وهما شقيقتان فنزوليتان، اصلهما من بلدة الشويفات، وشاركتا في المخيم بعدما اقنعهما ابن بلدتهما وزير المغتربين طلال أرسلان اثناء زيارته فنزويللا، فقالتا انهما احبتا لبنان كثيراً، لكنهما أسفتا لعدم كونه بلداً ديموقراطياً، وأنهما لاحظتا احراجاً كبيراً عند رئيس الحكومة رفيق الحريري اثناء زيارة الوفد له عندما سأله زميل لهما عن اسباب الوجود السوري في لبنان. وسألت الشقيقتان عن اسباب وجود حواجز امنية في لبنان على رغم انتهاء الحرب فيه. المجموعة الكندية في المخيم مؤلفة من 57 شاباً وشابة بينهم 33 من بلدة راشيا الوادي، ويقول فريد عبدالحق وهو من ضمن المجموعة الكندية ومن بلدة راشيا ان ما يحبه في لبنان هو كيف يمشي الناس في القرى على الطرق ويدعون بعضهم بعضاً الى شرب القهوة، ويبتسمون كثيراً. لكنه لاحظ انهم لا يستمعون الى عمرو دياب ولا يشاهدون مسلسلات "غوار" كما يفعل اللبنانيون في كندا. أما عضو الوفد فؤاد أبي أسبر 22 سنة والذي يعيش في أستراليا ونال جنسيتها، فيقول انه خرج من لبنان عام 1985، ولا ينسى كيف خطفت الحافلة التي كانت تقله الى المطار. ويضيف انه ما زال يستعيد ذلك المشهد الذي كان فيه طفلاً يستمع بخوف ورجاء الى سائق الحافلة، وهو يصنف لهم الطرق بين آمن وغير آمن. ويضيف ان "اللحظات الاخيرة التي قضيتها في لبنان كانت مرعبة وهذا امر غير جميل، يجب ان نحتفظ بصور جميلة لأوطاننا في المغترب ولهذا جئت". وهو تابع عبر "الحياة" اخبار لبنان منذ عاودت صدورها عام 1988.