تبددت آمال الاخوان المسلمين السوريين بمصالحة قريبة مع الحكم في سورية الذي اعطى اشارات ايجابية من خلال العفو الرئاسي الذي صدر منتصف الشهر الجاري. ويرى المراقب العام للاخوان المسلمين السوريين المقيم في عمان علي صدر الدين البيانوني ان العفو الرئاسي الاخير لم يختلف عن العفو الذي سبقه في العام 1995 فهو يتعامل مع "القضايا السياسية الكبرى بمنطق أمني او انساني في احسن الاحوال". ويوضح ان موقف الجماعة التي خاضت صراعاً دامياً مع الحكم السوري في مطلع الثمانينات "يؤكد ان الحق الانساني بالافراج عن المعتقلين بموجب احكام عرفية يتوازى مع حقهم السياسي في التعبير عن افكارهم التي اعتقلوا من اجلها". ومن خلال استعراضه للحالات السابقة التي افرج عنها يوضح البيانوني انها "اما انهت فترة الحكم الصادرة بحقها من محاكم عسكرية او كانت معتقلة بدون محاكمة، وفي كل الاحوال جرد المفرج عنهم من حقوقهم المدنية والسياسية وبعضهم لم يعمر طويلاً نتيجة الاوضاع الصحية التي مروا بها فيما اعيد اعتقال بعضهم مجدداً". ويؤكد البيانوني رغبة جماعته في "الحوار وصولاً الى مصالحة وطنية"، مشيراً الى انها رحبت بالافراجات عن المعتقلين باعتبارها "اشارة لبداية حل المشكلة التي مضى عليها عقود وليس نهاية لها". ويعتقد ان الشرط الوحيد للمصالحة هو "استعداد النظام لها" ويوضح ان الجماعة تعاملت مع كل مبادرات الحوار والمصالحة بإيجابية لكنها آلت الى الفشل بسبب "عدم استعداد النظام لقبول نتائج الحوار". وتعتقد مصادر الاخوان المسلمين السوريين ان الحكم في سورية راغب في المصالحة لأسباب ذاتية وموضوعية. فهو يدرك ان نمط الأنظمة الشمولية ذات الحزب الواحد لم يعد قائماً في العالم والوصول الى "نظام تعددي اختياراً أفضل من فرضه اضطراراً". كما ان الوصول الى سلام مع "العدو التاريخي" يتطلب جبهة داخلية متماسكة وسلاماً مع "تيار سياسي اساسي في المجتمع السوري". ويتوازى مع ذلك حسم مسألة الدور الذي سيلعبه مستقبلاً نجل الرئيس السوري بشار الأسد، الذي يتطلب ايضاً "انفراجاً سياسياً داخلياً". وفيما يؤكد المراقب العام للاخوان المسلمين ان "نظام الحكم في سورية جمهوري وليس وراثياً" يرى ان الموقف من بشار الأسد "يعتمد على سياساته، وليس ثمة موقف شخصي منه ولا نحمله مسؤولية الماضي ونتمنى ان تصدق التوقعات بخصوص الرغبة في الانفتاح ومحاربة الفساد". ولكن لماذا لم يتبع مبادرة العفو في سورية خطوة باتجاه المصالحة؟ يختلف الاخوان المسلمون في تفسير ذلك، فثمة تيار، وهو لا يعبر عن الاكثرية، يعتقد "بعدم جدوى الحوار" وان المبادرات التي تطرح هي "محاولة لتلميع النظام وللسعي الى شق الجماعة على أرضية الموقف من المصالحة". لكن تيار الاكثرية يرى ان "حركة النظام السوري بطيئة في كل شيء. وهو يراهن على ان الزمن لمصلحته دائماً". ويضيف سبباً آخر وهو "وجود اختلاف داخل مؤسسات النظام حول الحوار والمصالحة في ظل عدم حسم المسألة من الرئيس". وفي المقابل يعتقد الاخوان المسلمون ان الزمن يعمل لمصلحتهم، ويشبهون أوضاع الاخوان في سورية بأوضاع الاسلاميين في مصر اثناء اعتقال الاخوان المسلمين وتشريدهم، فثمة "صحوة اسلامية واضحة المعالم في سورية والشباب المسلم يملأ المساجد، وكل ما ينقص الصحوة هو التنظيم". ويرجعون الفضل في تيار الصحوة الاسلامية الى "التدين الأصيل في نفوس السوريين والارث الذي تركه التيار الاخواني والحضور الكبير للعلماء والمشايخ في المجتمع السوري". ومع ان آمال الاخوان تبددت بمصالحة "قريبة" الا انهم يراهنون على نجاح فكرة المصالحة مستقبلاً "لأنها الاسلم والافضل للشعب السوري"، وهذه ليست المرة الأولى التي تخيب فيها الآمال. فأول مبادرة مصالحة وحوار كانت عام 1980 على يد الشيخ أمين يكن، وتكررت المحاولة في بلد أوروبي عام 1984 ثم في العام 1987، وحاول وسطاء من خارج سورية مثل حركة المقاومة الاسلامية حماس، والرئيس السوداني عمر البشير وجبهة العمل الاسلامي في الأردن التدخل من دون فائدة. وكانت آخر محاولة للشيخ امين يكن عام 1997، وعلى رغم انه حصل على موافقة من مدير الاستخبارات علي دوبا ومدير مكتب الرئيس قبل الشروع في الوساطة الا ان محاولته فشلت. سألت "الحياة" علي صدر الدين البيانوني ان كان الاخوان سيبادرون الى الحوار بعد صدور العفو الرئاسي فأجاب: "رحبنا بالعفو والكرة في مرمى النظام الآن اذا كان راغباً بالحوار". ويبدو ان الطرفين يراهنان على الزمن وهما يفضلان "الحركة البطيئة لحل القضايا المستعصية" تماماً كما يفعل الاسد وباراك في سعيهما لاحلال السلام السوري - الاسرائيلي.