لم يعد العمل التطوعي، كما كان سائداً من قبل، وكما هو عليه في بلدان العالم الثالث والعالم العربي، محصوراً ببعض الهيئات والجمعيات والمنظمات الانسانية، انما ارتقى على غرار ما هو قائم في المجتمعات الغربية المتطورة، الى نطاق المؤسسات العالمية والوطنية الكبرى، جنباً الى جنب مع المؤسسات الحكومية، يتكامل بها ويتخطاها احياناً الى ما تعجز في الوصول اليه. والى ذلك، فهو جهاز مستقل بذاته، له هيكليته التنظيمية وآلياته وكوادره ومناهجه وبرامجه، يرمي علاوة على توفير الخدمات الرعائية، الى تأهيل الشباب والشابات عن طريق تزويدهم بالخبرات والمعارف المهنية والفنية والادارية والتعليمية وفتح نافذة واعدة نحو اسواق العمل. فحتى الأمس القريب، كانت مراكز التطوع تقتصر غالباً على مجموعات من المسنين والمتقاعدين من كلا الجنسين، رغبة في التخلص من حالات الضجر والسأم ووحشية الفراغ والوحدة والاستعاضة عنها بالبذل والعطاء في حدود ما تسمح به طاقاتهم وأعمارهم. اما اليوم، فالمقاييس آيلة الى تغيير جوهري في معادلة التطوع اثر انضمام شرائح اجتماعية جديدة جل افرادها من الشباب، يافعين وبالغين، طلاباً وخريجي جامعات ومعاهد مهنية، لا يقف عطاؤهم عند ضخ مراكز التطوع بدم فتي حار بل يهيئ لهم اطلالة واسعة على آفاق حياتية آنية ومستقبلية لا علم لهم فيها من قبل. يشار الى ان الانخراط في العمل التطوعي لا يستوجب سوى مقابلة شخصية مع المسؤولين عن مراكز التطوع في المناطق تقتصر على تحديد الكفاءات والمهارات وطبيعة العمل وزمانه ومكانه. وفي هذا السياق لكندا مكانة سامية رائدة وتجربة شبابية واعدة علها تكون نموذجاً تحتذي به الدول العربية التي تضج بالعاطلين عن العمل. تشير الاحصاءات الكندية الرسمية ستاتستيك كندا 8 آب 1998 الى عدة مؤشرات أهمها: 1 - يبلغ عدد المتطوعين من الشعب الكندي ممن تزيد اعمارهم عن 15 سنة، حوالى ثلاثة ملايين ونصف المليون، وان نسبة المتطوعين قد ارتفعت الى 40 في المئة خلال الفترة الواقعة بين عامي 1978 و1998. كما تشير ايضاً الى ان كل 7 من 8 اشخاص اي ما يعادل 16.7 مليون يعملون كمتطوعين جزئياً اي ما يوازي حوالى 60 في المئة من الشعب الكندي. 2 - تعتبر الفئات الاكثر حضوراً في اجهزة التطوع تلك التي تتراوح اعمارها بين 15 و24 سنة وبين 35 و45 سنة، وتفوق نسبة النساء بمعدل 54 في المئة مقابل 46 في المئة للرجال. كما ان الفئات الاكثر دخلاً هي الاوفر عدداً من المتطوعين جزئياً. 3 - يتمتع حاملو الشهادات الجامعية والمهنية بحظوظ اوفر في الحصول على فرص عمل بمعدل يتراوح بين 25 و32 في المئة لا سيما في اوساط الشباب بين سن 24 و35 سنة. Rapport leger 1998. وبعيداً عن الاعتبارات الانسانية فان فرص العمل التي قد يتيحها العمل التطوعي تتمحور حول المجالات التالية: - الخدمات الصحية في المؤسسات العامة استقبال المرضى، ملء الاستمارات، قياس الضغط، اسعافات، تلقيح الاطفال. - الانشطة الرياضية والترفيهية الاشراف على احواض السباحة، مراقبة الحدائق العامة، توفير الخدمات والارشادات للمتترهين. - الاهتمام بشؤون الوافدين الجدد، مهاجرين ولاجئين تأمين مترجمين، تزويدهم بلوائح وعناوين المؤسسات الرسمية وارشادهم الى مراكز تعليم اللغة الفرنسية او الانكليزية. - الدورات التأهيلية للراغبين في علوم الكومبيوتر والانترنت. - الاشراف على الطلاب المقصرين في المرحلة الابتدائية مساعدتهم في دروسهم وفروضهم خارج الدوام الرسمي وبتنسيق مع المدرسين وادارات المدارس. - القيام بأعمال الحضانة للأطفال ورعاية المسنين في البيوت والتنسيق مع الهيئات والجمعيات العائدة للاتنيات والاقليات الثقافية المنظورة. اما عن مدى مشاركة الجاليات العربية في مجمل هذه الانشطة فقد كشفت مديرة مركز التطوع في شمال مونتريال Josee Aubertin ان العمل التطوعي ما زال يقتصر بغالبيته على الكنديين والكيبيكيين وان المشاركة العربية ما زالت خجولة ولا تتناسب مع الوجود العربي وانتشاره في مناطق مختلفة في مونتريال، علماً ان عدداً لا بأس به ممن عملوا في مكاتبنا هم اليوم موظفون دائمون في كثير من المرافق الحكومية والبلدية. وذكرت على سبيل المثال: حمزة عثمان يوسف، يمني 31 سنة، موظف دائم في دائرة الهجرة والثقافة، في مركز شمالي مونتريال، جمال اصلاني، لبناني 27 سنة يعمل مشرفاً ومنقذاً على احواض السباحة. يوسف حاطومي، تونسي 22 سنة يعمل منذ سنتين مراقباً على الحدائق العامة. فاطمة حسنية، جزائرية 32 سنة مدرسة متعاقدة لتدريس اللغة الفرنسية للمهاجرين وفق برنامج Cofi. كما أشارت جوزيه الى ان بعض الاشخاص لبنانيون ومصريون ومغاربة ممن عملوا متطوعين في قسم الضرائب، يستدعون كل عام من وزارة الدخل الكيبيكية للعمل فيها كموظفين متعاقدين لمدة تتراوح بين شهرين وأربعة شهور. ولفتت ايضاً الى ان بعض الدوائر الرسمية تزود مكاتب التطوع بما لديها من مناصب شاغرة وقد استقبلت العام الماضي 13 موظفة توزع معظمهن على اقسام السكرتاريا. ويبقى الأمل في ان يقبل الشباب العرب في الاغتراب الكندي على العمل التطوعي لا سيما الجامعيون والمهنيون منهم على اكتساب ما يتيسر لهم من خبرات هم بأمس الحاجة اليها في نظام العمالة الكندي.