النشرة الإحصائية الصادرة أخيراً عن «ستاتستيك كندا»، تُعدّ أول وثيقة رسمية خاصة باللبنانيين دون غيرهم من العرب أو المسلمين أو الإتنيات الأخرى، تؤرخ لهجرتهم إلى مقاطعة كيبيك بين العامين 1961 و2001. وتشير بالتفصيل إلى أوضاعهم الديموغرافية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية وما طرأ عليها من تغيّرات إيجابية وسلبية. عن الوضع الديموغرافي، تكشف الإحصائية أن تعداد اللبنانيين المقيمين في كيبيك حتى العام 2001 (لم يصدر بعده أي إحصاء آخر) هو 48990 شخصاً (47.3 في المئة إناثاً و52.7 في المئة ذكوراً)، ينقسمون الى ثلاثة أجيال: الجيل الأول من سن 15 سنة وما فوق هم المولودون في الخارج ويشكّلون الغالبية العظمى، أي 78.1 في المئة، والجيل الثاني المولود من أبوين لبنانيين أو من أحدهما (13.7 في المئة)، في حين لا تتجاوز نسبة الجيل الثالث ال8.2 في المئة. أما المقيمون غير الدائمين، فتصل نسبتهم إلى 61.4 في المئة، والذين ينتمون إلى الأقليات المنظورة (أي المعروفون بملامحهم المميزة عن غيرهم من الأقليات الأخرى السوداء أو الصفراء أو البيضاء) فتصل نسبتهم عند المسيحيين إلى 49.9 في المئة، وإلى 22.7 في المئة عند المسلمين. أما الأطفال حتى سن 17 سنة فتصل نسبتهم إلى 43.9 في المئة، والذين تتراوح أعمارهم بين 45 و64 سنة فنسبتهم 18 في المئة، ومن هم فوق 65 سنة تصل نسبتهم إلى 8.1 في المئة، في حين تصل نسبة المتزوجين إلى 53.7 في المئة والعازبين إلى 35.7 في المئة. حركة الهجرة يأخذ المؤشر البياني لحركة الهجرة منحى تصاعدياً منذ العام 1961 حتى منتصف التسعينات (1991-1995). وهي بدأت ب365 مهاجراً، أي بنسبة 1.2 في المئة، وانتهت ب11590 مهاجراً (1981 – 1990)، أي 39.3 في المئة. وهذه النسبة هي الأعلى في تاريخ الهجرة اللبنانية إلى كيبيك، إلى أن بدأت بالتراجع تدريجاً بعد منتصف التسعينات لتصل إلى 26.4 في المئة، وإلى 12.8 في المئة بين العامين 1996 و2001، ما يعني أن الهجرة اللبنانية وصلت إلى أعلى معدّلاتها إبان اندلاع الحرب اللبنانية (1975– 1990). التوزيع الطائفي: يشكّل المسيحيون بمجمل طوائفهم غالبية المهاجرين اللبنانيين (35885)، أي 73.2 في المئة، مقابل 11 ألفاً للمسلمين أي 22.7 في المئة. أما الذين لا ينتمون إلى طائفة، فيشكلون 1505 أشخاص، أي نسبة 3.1 في المئة. اللغة: يشير الإحصاء إلى أن 89.1 في المئة من اللبنانيين يعرفون اللغة الفرنسية و72.7 في المئة الإنكليزية، وأن 57.1 يتحدّثون اللغة الأم (العربية) و24.4 في المئة الفرنسية كلغة أم أيضاً. أما في نطاق العمل فيتحدّث الفرنسية 49.7 في المئة في مقابل 35.7 في المئة للإنكليزية و 23.4 في المئة للغات أخرى عربية أو غيرها. المستوى العلمي: تبلغ نسبة الذين وصلوا إلى مستوى الشهادة الثانوية من سن 15 وما فوق (خامس ثانوي، أي ما يعادل سنة أولى بكالوريا لبنانية) 35.7 في المئة، والذين يحملون شهادات جامعية 27 في المئة، أي حوالى ضعف ما يحمله أمثالهم من الكيبيكيين (14 في المئة). العمل: يشير الإحصاء إلى أن 62.3 في المئة من اللبنانيين قادرون على العمل، أما العاطلون منه فنسبتهم 12.1 في المئة. ويتوزّع العاملون على قطاعات الإنتاج بنسب مختلفة: تجارة المفرق 17.7 في المئة، في المعامل 14.4 في المئة، خدمات مهنية أو تعليمية أو إلكترونية 9 في المئة، فنادق ومطاعم 9.6 في المئة، مبيع الخدمات المختلفة 25.6 في المئة، موظفون في القطاعين العام والخاص 18.7 في المئة، أعمال إدارية ومالية مختلفة 17.5 في المئة. أما متوسط الدخل الفردي، فيتراوح سنوياً بين 16005 دولارات و25932 دولاراً. التوزيع الجغرافي والمدني: ينتشر اللبنانيون في مجمل المدن والضواحي الكيبيكية بنسب متباينة، ففي مدينة مونتريال وضواحيها تتمركز غالبيتهم ( 89.3 في المئة). وفي منطقة غاتينو الفرنسية في أوتاوا، يشكّل اللبنانيون 6.1 في المئة، وفي لافال 14 في المئة، وأوتاوا 6.2 في المئة. استناداً إلى هذه المعلومات الإحصائية يمكن إبداء ملاحظات عدة، أهمها: - يشكّل هذا الإحصاء -ربما- صدمة للبنانيين الذين يستندون في تحديد أعدادهم إلى معلومات إحصائية غير رسمية مستقاة غالباً من مؤسسات الجالية الدينية، وهي أرقام تتجاوز بأضعاف الإحصاء الكندي الرسمي. في حين يؤكّد القنصل العام في مونتريال فادي زيادة أن أعدادهم الحالية استناداً إلى لوائح المسجلين لدى القنصلية، يتراوح بين 100 و130 ألف لبناني. - مقارنة مع المواطنين الكيبيكيين، يُظهر الإحصاء مفارقات بالغة من حيث أن نسبة الأطفال اللبنانيين تزيد عن مثيلتها عند الكيبيكيين، أي بمعدّل 43.9 في المئة في مقابل 30.9 في المئة. ما يعني أن اللبنانيين يساهمون في تعديل الميزان الديموغرافي لكيبيك. كما أن نسبة متوسطي الأعمار اللبنانيين بين 45 و 64 سنة هي أدنى من نسبة نظرائهم الكيبيكيين بمعدّل 18 في المئة إلى 26 في المئة، وبالنسبة إلى المسنين بمعدّل يتراوح بين 8.1 و12.3 في المئة، ما يعني أن الجيل الأول من اللبنانيين لا يزال في طور الشباب وقادراً على العمل والإنتاج. أما نسبة المتزوجين الكيبيكيين 40.8 في المئة في مقابل 53.7 في المئة للبنانيين، فتعني أن الأخيرين يقبلون على الزواج ويحافظون على تأسيس الأسرة ويستغنون عن علاقات المساكنة السائدة لدى شريحة كبيرة من الكيبيكيين، في حين أن نسبة العازبين اللبنانيين 35.5 في المئة مقارنة بالكيبيكيين 40.8 في المئة، تُعد كبيرة بالنسبة إلى عقلية اللبنانيين، ما يعني أن الشباب اللبنانيين يعانون أزمة فعلية تنعكس سلباً على تأخّر سن الزواج من جهة، والاستعاضة عنه بعلاقات غير شرعية من جهة أخرى. - ينوّه الإحصاء بملكات اللبنانيين اللغوية وإتقانهم الفرنسية والإنكليزية وبمؤهلاتهم العلمية المتفوقة على الكيبيكيين، ويشير إلى محافظتهم على اللغة العربية (لغتهم الأم) التي يتداولونها في محيطهم العائلي والاجتماعي. - أما المفارقة الكبيرة بين اللبنانيين والكيبيكيين، فتظهر جلياً في مستوى تدنّي الأجور وضآلة الدخل السنوي وارتفاع درجة البطالة التي تصل إلى حدود 14 في المئة في صفوف القادرين على العمل، خصوصاً الشباب المتعلمين منهم. - انتشار اللبنانيين في مناطق كثيرة من كيبيك يعبّر عن ظاهرة جديدة آخذة في الانتشار كحركة نزوح معاكسة من المدن إلى المناطق الريفية توخياً لفرص أفضل للعمل هناك. أما الوجود الكثيف للبنانيين في مونتريال وضواحيها، فهو في شكله وجوهره وجود ساكن إلى حد بعيد، إذ لم يترّجم بعد إلى حضور فاعل ومؤثر في الحياة الثقافية أو السياسية أو الحزبية أو البلدية. - يشكّل المسيحيون اللبنانيون عصب الهجرة الأساسي في كيبيك، وهم كانوا السباقين عن إخوانهم المسلمين الأحدث عهداً والأقل عدداً وحضوراً في مجمل المرافق العامة والخاصة. - تعتبر الجالية اللبنانية في عداد الجاليات النامية والشابة، بمعنى أن معظم أفرادها قادر على الإنتاج والعمل، وأنها تتجذّر سنة بعد أخرى في التربة الكيبيكية، وأن هجرتها ليست ظرفية كما يظن لبنانيون كثر خلفوا إلى الآن جيلاً ثانياً وثالثاً، والأخير آيل بحكم تكوينه الثقافي وتربيته العلمية إلى الاندماج في المجتمع الكيبيكي، وقد أصبح جزءاً لا يتجزّأ من نسيجه الاجتماعي ولا يمت بصلة الى تقاليد آبائه وأجداده وإلى لغتهم وعاداتهم.