لم يعد التطوّع كما كان من قبل، مجرّد عمل إنساني أو أخلاقي يتولاه متقاعدون تلافياً لحالات الضجر والفراغ، وإنما إرتقى ليصبح عملاً منظماً له مؤسساته ونظمه وآلياته وبرامجه الهادفة إلى التزوّد بالخبرات والمعارف، وإستثمارها في شتى ميادين العمل. وتشير دراسات إحصائية (ستاتستيك كندا) عام 2014 إلى أن «التطوّع ثقافة متأصلة في نفوس الكنديين ومادة تدرّس في مناهجهم التعليمية». ويبلغ عدد المتطوعين جزئياً حوالى 18.7 مليون من مجموع السكان، أي ما يوازي 60 في المئة من الكنديين من مختلف الأعمار بينهم نحو 54 في المئة من النساء. أما في مقاطعة كيبيك، فينخرط حوالى 4,4 مليون شخص في العمل التطوعي يشغلون 289 ألف وظيفة بدوام كامل، وحوالى 470 ألف فرصة عمل بدوام جزئي، ويؤدون راهناً 555 مليون ساعة عمل من أوقاتهم لزهاء 46 ألف مؤسسة خيرية وإجتماعية وإنسانية. آفاق واسعة يندر أن يخلو أي مرفق خاص أو عام من متطوع أو أكثر في كندا. فآفاق التطوع واسعة جداً، يتمحّور بعضها حول الخدمات الصحية في المستشفيات والعيادات الشعبية كإستقبال المرضى، وملء الإستمارات، وقياس الضغط، والإسعافات الاولية، وتلقيح الأطفال. ويشمل بعضها الآخر الأنشطة الرياضية والترفيهية، كالإشراف على أحواض السباحة ومراقبة الحدائق العامة وتوفير الخدمات والإرشادات في المرافق السياحية والمتنزهات. كما يهتم متطوعون بشؤون الوافدين الجدد، من مهاجرين ولاجئين ويهيئون لهم مترجمين، ويزوّدونهم بلوائح ومعلومات وبعناوين المؤسسات الرسمية، ويرشدونهم إلى مراكز تعليم اللغتين الفرنسية والإنكليزية. ويتولّى بعضهم الآخر الإشراف على الطلاب المقصّرين في المدارس الإبتدائية والمتوسطة، فيساعدونهم في دروسهم خارج أوقات الدوام الرسمي، وينسّقون مع المعلمين وإدارات المدارس في معالجة مسائل تربوية وسلوكية. وهناك من يقوم بأعمال الحضانة للأطفال ورعاية المسنين في مراكز الرعاية الإجتماعية العائدة إلى مجموعات إتنو- ثقافية. أما طلاب المدارس، فينظّم لهم المسؤولون في إطار الأنشطة التعليمية اللامنهجية زيارات ممنهجة إلى مراكز تجارية لإطلاعهم على أحوال السوق ومفهوم العرض والطلب، وإشراكهم بمساعدة الزبائن في توضيب مشترياتهم أو إرشاهم إلى مرافق غذائية أو إطلاعهم على آلية البيع نقداً أو ببطاقات الإئتمان. كما يقوم غيرهم بنشاطات بيئية كتنظيف مجاري الأنهر والحدائق العامة وتجميل جوانب الشوارع الرئيسة بغرس الازهار، وقطاف الفاكهة والخضار وتعليبها. مشاركة خجولة وعن مشاركة أبناء الجالية العربية في مجمل هذه الأنشطة، تكشف مديرة مركز التطوع في شمال مونتريال جوزيه أوبيرتان، أن العمل التطوعي «لا يزال في معظمه يقوم على الكنديين، وأن مشاركة المهاجرين بمن فيهم العرب واللبنانيون لا تزال خجولة ربما لأنه نمط جديد من الخدمة لم يألفوه قبلاً». وتضيف: «مع ذلك يتدرّب عندنا عدد من النساء والرجال على توفير خدمات موسمية كتنظيم جداول الضرائب وتعبئة الإستمارات والتدريب على إستعمال الكومبيوتر والإنترنت وتنظيم سجلات المكتبات العامة والمشاركة في تنظيم المهرجانات الصيفية الترفيهية والغنائية والموسيقية». كما تلفت أوبيرتان إلى أن «من يثبت كفاءة مهنية وإحتراماً لقواعد العمل والدوام، قد يعطى أفضلية عن غيره ويصبح في عداد الموظفين العاملين بدوام كامل أو جزئي»، موضحة أن قطاع العمل العام أو الخاص يعوّل كثيراً على ما سمّته التجربة أو (الخبرة) الكندية (experience canadienne) التي تهدف علاوة على توفير فرص العمل، إلى تحسين المهارات اللغوية وسهولة الإندماج في المجتمع الكندي.