بكلمة واحدة "جنّن" جون مكلفلين جمهور بيت الدين ليلة اول من امس، كان القمر كاملاً والليل الشوفيّ ناعماً مثل وسادة من ريش، وفي اطار شرقيّ بسيط تربّع على البساط أربعة من كبار العازفين لموسيقى الجازّ الحر المستوحى من مناخات التقسيم الهندي، وأمطروا الفضاء والمسافة بوابل من العزف المذهل ما جعل هبوب الحاضرين وقوفاً ناهيك عن تصفيقهم وهتافاتهم، رد فعل تلقائي، مثلما تنحني الاغصان للريح. زكير حسين، استاذ الطبلة الاول بلا منازع، الذي عزف وهو في السابعة من عمره الى جانب الكبار وفي مقدمتهم رافي شنكار واستطاع ان يصهر بأصابعه الشبيهة بفراشات يسكنها الجن وتطاردها العفاريت، انواعاً متغايرة، متنافرة، من موسيقى الهند، وبالتالي موسيقى العالم، اهدى جمهوره اللبناني والعربي الوافد، باقة ملتهبة من العزف الطلق التعجيزي المعروف عن مدرسة "غارانا" المتخصصة بالأسلوب التصعيدي: "خيال". الى يساره العازف بادماشاري شرينيفاس، ومندولينه السمريّ، مقابله سيلفا غانش نجل الاسطورة "فيكو" اشهر عازف طبلة في الهند كانجيرا. وفي الوسط جون مكلفلين بقميصه الاحمر وقيثارته الكهربائية. منذ الستينات تململ مكلفلين في جلده الغربيّ باحثاً عن روح تلهمه وتغيّر الدماء الفاترة في شرايينه. فبعد نجاحه في موسيقى البلوز والرّوك والجاز اقنع مايلز ديفيز بإدخال الطبلة والسينار الى الجاز الالكتروني الجديد. بعدئذ دخل مكلفلين في عداد تلامذة المعلّم الروحي سري شينموي واهداه اسطوانته المشتركة مع سانتانا وهي بعنوان "حب، ولاء، إستسلام". ومذ ذاك غاص مكلفلين في الروحانيات الشرقية، خصوصاً الهندية، دارساً، متأملاً، باحثاً، ومتورّطاً في الموسيقى الاندماجية المستجدة والتي عرفت لاحقاً باسم "موسيقى العالم". زهاء ساعتين متواصلتين أخذنا مكلفلين ورفاقه في رحلة عالية على أجنحة النغم والايقاع، فكان مرور الوقت آخر همومنا، بل اشتهينا لو تتعطل عجلة الزمن لنبقى أطول مدة ممكنة في حضور المايسترو، تحت سطوة اصابعه المتقدة كالنيازك.