احتفل الأصوليون أمس بمرور سنة هجرية على تفجير سفارتي اميركا في كينيا وتنزانيا، والذي أسفر عن مقتل 12 اميركياً وأكثر من مئتين من مواطني البلدين. ولم يتبق أمام أسر الضحايا سوى أيام قليلة ليحتفلوا بالذكرى الأولى لضحاياهم وفقاً للتقويم الميلادي. وعلى رغم الفارق الضيق بين التقويمين فإن مساحة الخلاف بين الطرفين اميركا والاصوليين تزداد اتساعاً إذ يظل كل طرف على موقفه فالعداء مستحكم والحذر والريبة والشك في قدرة الطرف الآخر على السعي نحو النيل منه ما زال قائماً. ومثلت حادثة السفارتين ذروة التصعيد من جانب الاصوليين ضد "رأس الكفر" وهو الإسم الذي يطلقونه على اميركا وأول ترجمة حقيقية لتهديد ووعيد تضمنه البيان الأول ل"الجبهة الاسلامية العالمية لقتال اليهود والصليبيين" التي أسسها في شباط فبراير من العام الماضي اسامة بن لادن وزعيم جماعة "الجهاد" المصرية الدكتور ايمن الظواهري وجماعتان من باكستان وأخرى من بنغلاديش والتي تضمن البيان الاول لها فتوى توجب على المسلمين "قتل الاميركيين ونهب أموالهم اينما وجدوا". ولم يتوقف الطرفان من وقتها عن تبادل التهديدات والتعهد بالانتقام، فالاميركيون مصرون على ملاحقة أي أصولي يشتبه في وجود صلة بينه وبين ابن لادن أو الظواهري. ونشطت الاستخبارات الاميركية سي. اي. ايه وصارت عملياتها في أكثر من دولة تركز على متابعة الاصوليين ومحاولة اصطيادهم، وترحيل من يشتبه في وجود صلة له بتفجير السفارتين الى اميركا لمحاكمته وتسليم من ليس له علاقة بالقضية الى دولته ليحاكم فيها في قضايا أخرى ليضمن الاميركيون "اتقاء شره" وعدم تورطه مستقبلاً في عمل ضد أحد أهدافهم أو رعاياهم. وليس سراً ان قسم متابعة الاصوليين في ال "سي. اي. ايه" صار واحداً من أهم الأقسام فيها بعدما ظل لسنوات أحد الاجهزة غير المهمة داخل المؤسسة التي يتعدى نشاطها كل الحدود والأجواء والبحار. وبالتوازي مع تلك الجهود فالإدارة الاميركية لم تتوقف عن ممارسة ضغوط على حركة "طالبان" الافغانية لإرغامها على تسليم ابن لادن والظواهري وربما من معهم من الأصوليين العرب عموماً والمصريين خصوصاً، لإخضاعهم للمحاكمة في قضية السفارتين. وتنوع تعاطي الاميركيين مع الأمر بحسب الظروف، فحينما فشل قصف مواقع ابن لادن في مدينة قندهار في ايلول سبتمبر من العام الماضي في تحقيق الغرض سعت اميركا الى التأكيد ان الانتقام ممن وقفوا خلف فكرة التفجير لن يتوقف حتى يتم توقيفهم. وبدأت واشنطن تعاوناً استخباراتياً مع أكثر من دولة لاصطياد من تعتقد أنهم من أعوان ابن لادن والظواهري. وهي حققت في ذلك نجاحاً لا يمكن إغفاله حتى في الدول التي يحول النظام القضائي فيها دون تسليم المقيمين على أرضها بسهولة، كما هو الحال في بريطانيا التي اعتقلت السلطات فيها ثلاثة من المحسوبين على ابن لادن والظواهري بناء على طلبات أميركية. وعلى رغم أن القضاء البريطاني لم يفصل بعد في مسألة تسليمهم لمحاكمتهم في اميركا فإن بقاء خالد الفواز وعادل عبدالمجيد وابراهيم العيدروس رهن الاعتقال لفترة طويلة يعني لدى الاميركيين "اتقاء شرهم" والحؤول دون قيامهم بأدوار لمساعدة ابن لادن والظواهري حتى لو كان ذلك يتعلق فقط بممارسة نشاطات إعلامية. وبالتوازي مع كل ذلك، لم يتوقف الاميركيون عن ترويج معلومات تتحدث عن عمل وشيك ضد ابن لادن. ويجري حديث تارة عن سفن حربية اميركية تقف قرب السواحل الباكستانية تحمل كوماندوز يتأهبون للدخول الى الاراضي الافغانية لشن عمل ضد ابن لادن ومن معه، وتارة أخرى يكون الحديث عن قصف صاروخي آخر يكون أكثر دقة وفعالية لضرب مواقعه وإبادته ومن معه. غير أن الطرف الآخر لم يقف مكتوف الايدي، فسيل التهديدات الموجهة الى الاميركيين لم ينقطع. والاميركيون لم ينسوا بعد أن حادثة السفارتين وقعت بعد ساعات من تهديدات اطلقتها جماعة "الجهاد" تعهدت فيها برد سريع على تورط الاستخبارات الاميركية في القبض على عدد من عناصرها في ألبانيا وتسليمهم الى مصر. ولعل أكثر ما يخشاه الاميركيون تأكيد ابن لادن أن ما جاء في الفتوى التي استند اليها قيام "الجبهة" يمكن ان ينفذ بواسطة أي مسلم وليس فقط عن طريق عناصر الحركات الاصولية. ولا يتوقع محللون أن يشرع أي من الطرفين قريباً في تنفيذ عملية ضد الآخر. فتلك النوعية من العمليات تتم عادة بصورة مفاجئة وفي المكان غير المتوقع. لكن ارتفاع حدة سخونة الصراع بين الطرفين يجعل حالة الاستنفار بينهما قائمة فيصبح الهاجس لدى كليهما أن عملاً وشيكاً ضده من الجانب الآخر يظل احتمالاً قائماً.