على رغم ان الولاياتالمتحدةوبريطانيا لم تعلنا صراحة أن إغلاق سفاراتيهما في دول افريقية يتعلق بتهديدات مماثلة لتفجير السفارتين الاميركية في كينيا وتنزانيا الذي توجه واشنطن الاتهام الى اسامة بن لادن وأنصاره فيه، الا ان الامر لا يحتاج الى كثير من الأدلة لإثبات أن قراري الدولتين اللذين صدرا متزامنين يتعلقان بمعلومات عن "عمل ارهابي وشيك" ضد مؤسسات تابعة للدولتين في افريقيا. ولم يطرأ جديد في التهديدات التي ما زالت تصدر عن قادة اصوليين على رأسهم اسامة بن لادن زعيم تنظيم "القاعدة" والدكتور ايمن الظواهري زعيم جماعة "الجهاد" المصرية وربما أدى تعرض الاثنين وانصارهما إلى الملاحقة الى اجبارهما على التخفيف من حدة عدائهما ل"الشيطان الأعظم". وذكر ابن لادن والظواهري بريطانيا في اعلانهما في شباط فبراير من العام الماضي عن تأسيس "الجبهة الاسلامية العالمية لقتل اليهود والصليبيين" الى أميركا وكل من يعاونها على تنفيذ سياساتها من الصليبيين واليهود. والمؤكد ان الإجراءات التي اتخذتها الحكومة البريطانية منذ ايلول سبتمبر الماضي والتي تضمنت القبض على أعداد من الاصوليين العرب المقيمين على اراضيها على رأسهم خالد الفواز، والمصريون الخمسة الذين رحل احدهم الاسبوع الماضي الى المانيا، تزيد من احتمال ان يكون استهداف الاصوليين أحد الاهداف البريطانية امراً غير مستبعد. لكن هل مازالت لدى جبهة بن لادن والظواهري القدرة على تنفيذ عمل من الوزن الثقيل مثل تفجير السفارتين في آب اغسطس الماضي؟ وهل يستطيع الاثنان تحمل ردود الفعل المتوقعة من جانب البلد المستهدف سواء كان اميركا او بريطانيا؟ وهل يخشى ابن لادن من ان تكرار اميركا قصفها مواقعه في افغانستان وقلعته التي يتحصن فيها مع رفيقه الظواهري وبعض اتباعهما في جلال اباد؟، ولماذا انتظر الاثنان اكثر من عشرة شهور من دون القيام بعمل جديد؟ ليس سراً ان الملاحقات التي تعرض لها الاصوليون في دول عدة عقب تفجير السفارتين والظروف التي مر بها ابن لادن والظواهري داخل افغانستان عقب قصف مواقعهما في قندهار تسببت في انشغالهما بإعادة ترتيب اوضاعهما وتأمين اوضاع اتباعهما المنتشرين في دول عدة. كما ان انشغال العالم بتغيير الاوضاع في البلقان جعل من تنفيذ عمل ضد هدف اميركي او بريطاني امراً غير محبذ، لكون مثل ذلك العمل يهدف بالدرجة الاولى الى لفت الانظار وإثارة الاهتمام الاعلامي والسياسي. ولا شك ان الوصول الى تسوية في البلقان يتيح للاصوليين مساحة للتحرك اعلاميا تمكنهم من العودة الى بؤرة الضوء مرة اخرى، ويشير اصوليون من ذوي الخبرات في العمليات المماثلة الى ان تنفيذ هجمات في دول افريقية او آسيوية لا يحتاج الى كثير من النفقات، أو أعداد كبيرة للتنفيذ، ويذكر هنا ان حادثة السفارة المصرية في باكستان في العام 1995 لم ينفذها سوى شخصين. وتشير اعترافات المتهم الرئيسي في قضية "العائدين من البانيا" الى ان ابن لادن والظواهري اتفقا على القيام بعمليات ضد اهداف اميركية، وان الظواهري كان عقد اجتماعاً مع كبار مساعديه ابلغهم فيه ضرورة وقف عمليات التنظيم داخل مصر نظراً لكلفتها العالية في مقابل توسيع دائرة العمليات الموجهة ضد الاميركيين، لما تحققه من مردود اعلامي واسع. غير ان فرض منطق العولمة الامنية بفعل السطوة الاميركية في دول العالم يجعل ترتيبات العمليات أمراً بالغ الصعوبة، الا اذا كان ابن لادن والظواهري نجحا في زراعة عناصر لم يتم كشفها حتى الآن. ويبدو أن القرار الجديد، يشير الى ان الدولتين ربما تكونا تلقتا معلومات تؤكد ان هناك من أبدوا استعداداً لتنفيذ خطط تنتظر موعد التنفيذ فقط.