بين الأفكار التي لم تنل اهتماماً يذكر، الفكرة التي أثارها رئيس "الحزب العربي الديموقراطي" في إسرائيل عبدالوهاب دراوشة، بتمثيل العرب الفلسطينيين في الدولة العبرية في الجامعة العربية. والفكرة الجديدة، تفتح أفقاً للتفكير في التعامل مع الأقلية القومية المقيمة في وطنها. وكان دراوشة بالذات، والذي لم يخض انتخابات الكنيست الأخيرة، في طليعة الداعين إلى إقامة جسور بين العالم العربي وعرب 1948. وقد تمكن من إقناع الجهات الحكومية في مصر والأردن، بقبول طلاب عرب من حاملي الجنسية الإسرائيلية في جامعات البلدين، وتم تقديم تسهيلات بهذا الخصوص من قبل المسؤولين الأردنيين. وإلى جانب ذلك، كان دراوشة أول شخصية عربية، تحمل الجنسية الإسرائيلية، تزور سورية وتلتقي الرئيس الأسد، بما شق الطريق إلى زيارات وفود برلمانية عربية - إسرائيلية إلى دمشق. وفكرة "الانضمام" إلى الجامعة العربية هي إحدى تجليات السعي لتكريس الاعتراف بالهوية القومية للعرب الإسرائيليي الجنسية، علماً بأن دراوشة هو أول سياسي يقوم بتشكيل حزب في إسرائيل يحمل طابعاً قومياً صريحاً، يدل عليه اسم الحزب العربي الديموقراطي. وسبق لدراوشة قبل انشاء هذا الحزب أن أمضى نحو خمسة عشر عاماً في صفوف حزب العمل الإسرائيلي، وأصبح في ما بعد من مناوئي سياسة هذا الحزب في تعامله مع من يطلقون عليهم في الإعلام الإسرائيلي "الوسط العربي". ويذكر بخصوص هذه الفكرة، أنه سبق لشمعون بيريز أن طرح فكرة انضمام إسرائيل إلى الجامعة، ولكن بعد تحويلها إلى جامعة شرق أوسطية، وذلك في غمرة اندفاع الرجل لترويج مشاريعه لشرق أوسط جديد. ولم تلق الفكرة أي قبول حتى في أوساط أشد المؤيدين للعملية السلمية، إذ أن السلام لا يقتضي بالضرورة طمس الهوية العربية أو التضحية بها، وحتى فكرة الشرق أوسطية، فإنها ينبغي أن لا تنشأ بالتعارض مع الإطار العربي أو بالتخلي عنه. وفي مواجهة فكرة دراوشة تنتصب اعتراضات عدة، اولها اعتراض شكلي مفاده ان الجامعة هي جامعة الدول العربية، وبما ان الطرف المتقدم للانضمام لا يمثل دولة بل مجموعة عربية، فإنه يتعذر قبول الطلب. والاعتراض الثاني، ان المجموعة صاحبة الطلب ذات هوية فلسطينية عربية اضافة الى الجنسية الإسرائيلية ولما كانت دولة فلسطين ممثلة في عضوية الجامعة، فإنه يتعذر قبول طلب هذه المجموعة. انهما اعتراضان شكليان على جانب من الوجاهة وينسجمان مع احكام الجامعة. وبعد هذين الاعتراضين تُثار اعتراضات او على الاقل تساؤلات حول الصيغة التي سيجري فيها افتراضاً تمثيل هذه المجموعة. فمن هم الممثلون وعلى أي وجه يجري اختيارهم، وكيف يمكن لممثلي المجموعة ان يلتزموا قرارات الجامعة، خصوصاً في المسائل المتصلة بالعلاقة مع الدولة العبرية، وهم يحملون جنسية هذه الدولة؟ هذه التساؤلات بدورها وجيهة وعلى جانب من الاهمية. غير ان مجرد طرح الفكرة يفتح المجال او ينبغي أن يفتحه، للتفكير في مساندة حق تلك الجماعة العربية في التمسك بهويتها وبالتواصل مع العالم العربي، وقد يكون من المفيد التفكير بقبول عضوية هذه المجموعة بصيغة مراقب غير كامل العضوية، على ان تفرز الاحزاب ذات الصفة العربية الواضحة ممثلين لها، كما يمكن التفكير بصيغة اخرى ينضم فيها هؤلاء الى ممثلي دولة فلسطين في الجامعة. على ان يفتح مثل هذا التجاوب الأولي مع الفكرة، الفرصة امام انضمام ممثلين عرب لهيئات واتحادات نقابية ومهنية ومتخصصة، اذ لا يُعقل في مرحلة متقدمة من العملية السلمية يسود فيها التطبيع ان يقتصر التعامل مع الاسرائيليين، او ان يجري انكار عروبة اكثر من مليون نسمة والتعامل معهم كاسرائيليين بما يدفع نحو أسرلتهم. وفكرة انضمام ممثلين عرب الى هيئات تمثيلية عربية تظل تغري بالتأمل والتفكير واستنباط افضل الصيغ لتطبيق هذه الفكرة الخلاقة، والتي يزيد في أهميتها وجدواها ترشيح عربي لرئاسة الحكومة الاسرائيلية كما حدث أخيراً… * كاتب أردني.