تحت عنوان "طريقك الى انتاج زيت الزيتون" يجد رجال الأعمال لدى أحد الاتحادات الأميركية الناشطة في ترويج المشاريع الزراعية سلسلة محكمة من الخطوات "الرشيقة" والخدمات الأساسية التي تجعل عملية انتاج زيت الزيتون، من زراعة الشتلة الى تسويق العبوات، أكثر سهولة من حلاقة الذقن ولكنها لا تفسر السبب الذي يجعل الولاياتالمتحدة سوقا مفتوحة أمام مصدري السائل الذهبي. وحسب مصادر اتحاد مزارعي الزيتون انتجت وديان كاليفورنيا من زيت الزيتون في العام الفائت كميات متواضعة لم تزد على 325 ألف غالون في حين استهلكت السوق الأميركية نحو 35 مليون غالون، أي أن الانتاج المحلي بلغ نسبة لا تذكر من الانتاج العالمي أقل من نصف في المئة بينما ناهز الاستهلاك المحلي نسبة سبعة في المئة من استهلاك المعمورة الذي بلغ نحو 486 مليون غالون، مايعادل نحو 7.1 مليون طن. وتدل غالبية المؤشرات المتوافرة الى أن الفجوة القائمة بين الاستهلاك والانتاج المحليين في السوق الأميركية هي في اتساع مستمر، اذ شكّل استهلاك السنة الماضية زيادة بنسبة 22 في المئة مقارنة بالعام السابق وبلغ متوسط الزيادة السنوية المسجلة في الأعوام الخمسة الأخيرة نحو 20 في المئة، ولا يبدو في الأفق ما يشير إلى احتمال حدوث طفرة في الانتاج أو انخفاض مفاجئ في الاستهلاك. ولكن امكانات حدوث طفرة في انتاج زيت الزيتون ليست معدومة باعتبار أن أميركا هي أحد كبار منتجي الزيتون ويشكل انتاجها المحلي ما نسبته 2.11 في المئة من الانتاج العالمي المقدر بنحو 860 ألف طن. وحسب مصادر أميركية عدة تأتي الولاياتالمتحدة في المرتبة الثالثة في العالم بعد كل من اسبانيا التي تبلغ حصتها من انتاج الزيتون 1.26 في المئة وتركيا 4.13 في المئة وتتقدم على منتجين مهمين مثل اليونان وحصتها 3.9 في المئة والمغرب 1.8 في المئة وسورية 2.6 في المئة وايطاليا 8.5 في المئة والملفت أن المساحة المخصصة لزراعة الزيتون في الولاياتالمتحدة، وبشكل خاص ولاية كاليفورنيا تعتبر هامشية بالمقارنة مع بقية البلدان المنتجة، إذ لا تزيد عن 35 ألف فدان، ولكن عامل الانتاجية يلعب في صالح المزارع الأميركية. ولاحظ البروفيسور عادل قادر، خبير زراعة الفاكهة في جامعة كاليفورنيا أن "زراعة الزيتون في كاليفورنيا، تختلف عن معظم مناطق الانتاج الأخرى، إذ أنها تعتمد على الري واستخدام الأسمدة وتقنيات ادارة المزارع، ما يساهم برفع انتاجيتها الى نحو عشرة أضعاف انتاجية مناطق أخرى مثل جنوباسبانيا". وتتوافر لزراعة الزيتون في كاليفورنيا مقومات أساسية تقف خلف الانتاجية العالية. فرغم أن الشجرة المباركة لم تصل الى العالم الجديد الا في أواخر القرن الثامن عشر، بعد رحلة بدأت في سورية قبل خمسة آلاف عام، إلا أن جامعة كاليفورنيا قدمت مساهمات في مجال تطوير زراعة الزيتون وتقنيات التعليب والحفظ، ما منح المزارعين فرصة أفضل لتحسين المحصول ومواجهة الكوارث الطبيعية مثل كارثة بداية الثمانينات التي قضت على الغالبية العظمى من مزارع الزيتون في الولاية. وأشار البروفيسور قادر خصوصاً إلى مبادرة مهمة قامت بها جامعة كاليفورنيا باصدار ملف كامل حول زراعة الزيتون وانتاج الزيت، وقدم هذا الملف للمزارعين ورجال الأعمال الناشطين في المشاريع الزراعية قاعدة واسعة من المعلومات المرجعية بدءاً بالشروط الواجب مراعاتها عند اختيار موقع المزرعة وطبيعة التربة وأنواع الشتلات وأساليب الري واستخدامات الأسمدة ومكافحة الآفات الزراعية والوقاية منها وانتهاء باقتصادات التعليب والحفظ والتسويق. وإلى جانب المساهمات الأكاديمية يتاح للمزارع ورجل الأعمال خدمات مساعدة تعتبر من المسلمات في بلد مثل الولاياتالمتحدة ومن بينها توافر القروض الضرورية لتمويل العملية الزراعية والانتاجية والاتحادات والجمعيات وشركات الخدمات الاستشارية في مجال الزراعة والتسويق فضلا عن قنوات الاتصال الضرورية للتعرف على تقاليد زراعة الزيتون وواقعها في البلدان المنتجة الأخرى، وهي في مجملها شروط أساسية تمكن أصحاب المشاريع من الحصول على بعض الميزات التنافسية. ويعتبر الطلب المحلي أهم العوامل التي تدعم امكانية حدوث طفرة في انتاج زيت الزيتون، حسب أحد أصحاب المشاريع الكبيرة الذي توقع أن تصبح كاليفورنيا واحدة من أهم المناطق المنتجة في العالم في غضون خمس إلى عشر سنوات، وفي هذا المجال أكد خبير لدى جامعة كاليفورنيا أن تزايد الاستهلاك الأميركي بمعدلات كبيرة في الأعوام الأخيرة يعتبر أحد أسباب تراجع المخزون العالمي. ويشار الى أن الاستهلاك العالمي يفوق الانتاج بنحو 26 مليون طن. وفي بلد مغرم بالوجبة السريعة الى حد الهوس عزا غريغ رايزنغر رئيس مجلس زيت الزيتون في كاليفورنيا أحد أسباب ارتفاع الاستهلاك المحلي الى اقبال المستهلك الأميركي على المطبخ الشرقي حوض البحر المتوسط والحملات الاعلانية التي تركز على إبراز ما يحتويه زيت الزيتون من فوائد صحية ليس من السهل على المجتمع الأميركي تجاهلها مثل دوره في خفض كل من الكوليسترول الضار وحوادث انسداد الشرايين وضغط الدم والسكر فضلا عن المساعدة في عملية امتصاص الفيتامينات ألف ودال وهاء A,D,E. وتوقع غريغ ازدياد الاستهلاك المحلي باطراد مع اكتشاف المستهلك الأميركي أن "زيت الزيتون يستخدم كبهار وليس مجرد وسيلة للقلي". ولكن على رغم توافر كل المقومات المشار اليها ترى غالبية الخبراء والمتخصصين أن صناعة الزيتون وزيوته الأميركية تواجه عقبة رئيسية تحد من طموحاتها، ان لم تجهضها كلياً، بسبب تأثيرها القوي في شروط المنافسة في السوق الأميركية، وتتمثل هذه العقبة في ارتفاع كلفة مجمل عملية الانتاج بالمقارنة مع البلدان المنتجة الأخرى فضلاً عن توافر بدائل اقتصادية شديدة الاغراء مثل زراعة العنب وسلسلة صناعتها المربحة، والمشهور ارتباط الكثير من مزارعي الزيتون في كاليفورنيا باتحادات صناعة التخمير. وتنشر الاتحادات المعنية بزراعة الزيتون في ولاية كاليفورنيا مقارنات ملفتة بين الزيتون والعنب اذ توضح احدى هذه المقارنات أن مردود كروم العنب يفوق في المدى القريب مردود مزارع الزيتون بنحو سبعة أضعاف. وتشير في الوقت نفسه الى أن الكروم تبدأ بطرح ثمارها في العام الثالث في حين لا بد لزارعي الزيتون من الانتظار حتى العام الرابع لجني أول محصول، ويبلغ متوسط مردود الزيتون نحو 1300 دولار للفدان 400 متر مربع مقارنة بنحو 8900 دولار للفدان الواحد من الكروم. وعلى المدى البعيد يتحول عامل المردود قليلاً لصالح الزيتون الذي يعمر من 100 إلى 5000 سنة مقابل 25 إلى 40 سنة بالنسبة للعنب. وتبدأ تحديات الزيتون في كلفة الأرض، إذ يراوح سعر الحقول المزروعة من خمسة الى 50 ألف دولار للفدان الواحد وفي المتوسط بين 20 إلى 30 ألف دولار في المقاطعات المشهورة بزراعة الزيتون مثل نيبا وسونوما على الساحل الشمالي لولاية كاليفورنيا. ويحتاج المشروع التجاري الى 100 فدان في حد أدنى لتغطية نفقات المعيشة لعائلة واحدة، ويضاف الى كلفة الأرض نفقات الرعاية التي تقدر بنحو 500 دولار للفدان سنويا، وأجرة جني المحصول 200 الى 300 دولار للطن، علماً أن مردود الفدان يراوح بين ثلاثة وأربعة أطنان في الموسم الواحد. أما التحول الى انتاج الزيت الذي يمثل الجانب المربح من زراعة الزيتون، فيحمل نفقاته الاضافية، إذ يراوح حساب المعصرة بين 250 و400 دولار للطن الواحد، وينتج الطن كميات تراوح بين 12 و50 غالوناً وفي المتوسط نحو 27 غالوناً طبقاً لنوع الزيتون وفاعلية تقنيات المعاصر المتوافرة، وتأتي بعد ذلك نفقات الادارة والنقل والتعبئة والتسويق والدعاية والاعلان وربما الحفظ والتخزين للموسم المقبل بشرط الحصول على موافقة الجهات الممولة على تأجيل أقساط القرض. وفي المحصلة لاحظ خبراء أن اقتصادات صناعة الزيتون في ولاية كاليفورنيا دفعت أعدادا متزايدة من أصحاب المشاريع للتوجه الى زراعة أصناف منتخبة من الزيتون والتخصص في انتاج الزيت الفاخر، وشكل هذا النوع الغالي الثمن من زيت الزيتون الذي يباع بأسعار تراوح بين 20 و80 دولاراً لليتر الواحد، نحو 40 في المئة من انتاج العام الفائت في الولاياتالمتحدة ويتوقع أن يسجل زيادة ملحوظة في الأعوام المقبلة ولكن ليس الى الدرجة التي تؤهله للعب دور رئيسي في سوق زيت الزيتون أو التقليل من اعتماده على الاستيراد من المنتجين الرئيسيين مثل المغرب الذي بلغت صادراته الى السوق الأميركية العام الفائت 7.6 ألف طن. اسبانيا 30 ايطاليا 24 اليونان 18 تركيا 7 تونس 7 سورية 5