يتزاحم أكثر من 3500 يهودي أثيوبي الفالاشا على مقر القنصلية الاسرائيلية في مدينة غوندار أحد أهم معاقل الفالاشا في شمال اثيوبيا لاستكمال الاجراءات الاولية للرحيل الى اسرائيل. فيما أنهى حوالى 2800 شخص الاجراءات اللازمة لترحيلهم خلال الاسابيع المقبلة. واكد أحد المسؤولين ان عدد الباقين حوالى 12 الفاً ينتظرون في غوندار لترحيلهم قريباً، وان الثلاثة آلاف الذين يستعدون للرحيل كانوا يعيشون في قرية قره القريبة من غوندار وسيذهبون قريباً الى أديس أبابا ومن ثم الى تل أبيب على متن الخطوط الجوية الاثيوبية. "الحياة" زارت مدينة غوندار نهاية الاسبوع الماضي، والتقت جماعات من الفالاشا في قراهم، واطلعت على اوضاعهم وسير عمليات ترحيلهم. خلافاً لما تذكره تقارير معظم المنظمات التي تتابع شؤون اليهود في العالم، يعيش الفالاشا حياة مرفهة، ويُشار اليهم بانهم الطبقة الميسورة في غوندار، وأوضاعهم المعيشية افضل بكثير من اوضاع المواطنين الاثيوبيين. إذ يستفيد الفالاشا من مساعدات الحكومة الاسرائيلية التي تصل الى عشرة دولارات للشخص شهرياً، معدل الدخل الفردي للمواطن الاثيوبي 120 دولاراً سنوياً الى جانب مساعدات عينية من مواد غذائية وغيرها. كذلك يحظى الفالاشا بالمعالجة الطبية المجانية، ويحصلون عل هذه المساعدات بموجب بطاقة رسمية تمنحها لهم القنصلية الاسرائيلية، مما يجعلهم في غنى عن العمل. وذلك الى جانب التمتع بحقوقهم كأي من المواطنين الاثيوبيين. وأكد معظم الفالاشا الذين التقتهم "الحياة" في غوندار أنهم يلقون معاملة حسنة من الحكومة الاثيوبية، عكس ما يلاقونه في اسرائيل. وهم يعيشون حياة طبيعية وسط المجتمعات الاثيوبية المختلفة وليسوا مُنغلقين كما يُشاع عنهم. فعلى رغم اعتقاداتهم الدينية المختلفة عن الديانات الاخرى في المناطق التي يعيشون فيها، إلا انهم استطاعوا الاندماج في المجتمعات المحلية عبر التزاوج وممارسة حياتهم في شكل طبيعي مع بقية القوميات الاثيوبية في المنطقة. بيلي اسفي 23 عاماً يعيش في إحدى قرى الفالاشا وحلمه الهجرة الى اسرائيل. أنهى دراسته الثانوية العامة قبل نحو سنة، لكنه لم يحاول إيجاد عمل إذ كان يعتمد على المساعدة التي يتلقاها من القنصلية الاسرائيلية. أما تينا بيشاو فهي أم لولدين، وقد تجاوزت الخامسة والثلاثين وتنتظر أن تنضم الى باقي أفراد أسرتها الذين "حالفهم الحظ ورحلوا الى اسرائيل" وهم يساعدونها "بمبالغ لا بأس بها من وقت الى آخر". القنصلية الاسرائيلية في وسط مدينة غوندار يعتبرها الفالاشا بمثابة سفارة تحمي مصالحهم في شمال أثيوبيا. توجهت الى مبنى القنصلية في محاولة للتحدث الى احد المسؤولين المهتمين بترحيل الفالاشا، لكن حارس المبنى رفض التحدث إليّ من دون أن يسأل عن سبب الزيارة. وربما كان هذا التصرف ناتج عن السرية التي تفرضها السلطات الاسرائيلية على قضية الفالاشا. لكنني علمت لاحقاً ان ستة مسؤولين اسرائيليين وصلوا حديثاً من تل أبيب لمتابعة عملية ترحيل الفالاشا. والتقيت واحداً من هؤلاء المسؤولين في أحد الأماكن التاريخية في غوندار، وكنت اعتقد بداية ان هذا اللقاء كان محض صدفة، لكنني تيقنت لاحقاً انه كان في سيارة تابعة للقنصلية يتابع تحركاتي خلال إجرائي التحقيق في قرى الفالاشا ولقائي سكانها. وكانت نظراته تلاحقني في شكل لافت، واستفزني ذلك بأن توجهت اليه وعرفته بنفسي. سأل عن سبب زيارتي المنطقة وعندما بدأت طرح اسئلتي عن عملية ترحيل الفالاشا وعما إذا كان هناك اتفاق بين الحكومتين الاثيوبية والاسرائيلية في هذا الشأن، رفض الادلاء بأي معلومات قائلا انه يحتاج الى إذن من سفارته للتصريح. وسألني هل أزور المنطقة بمفردي وعن مكان اقامتي، فأجبته ان زيارتي بعلم من وزارة الإعلام الأثيوبية. وعلمت من احد المسؤولين الفالاشا الذي كان يعمل في القنصلية الاسرائيلية، أن الخطة الاسرائيلية لترحيل الفالاشا وسعت دائرة المهاجرين لتشمل الأزواج غير اليهود. وأفاد شهود ان اكثر من الف اثيوبي رحلوا الى اسرائيل بهذه الطريقة. وفي غوندار قال مصدر اثيوبي رسمي ل"لحياة" ان الحكومة الاثيوبية تعتبر هجرة الفالاشا قبل العام 1991 بمثابة عملية بيع عقدها الرئيس السابق منغيستو هايلي مريام مع الاسرائيليين. ويضيف: "ان الحكومة الاثيوبية الحالية التي تنهج نظاماً ديموقراطياً، أعطت كل مواطن الحرية في الرحيل الى اي بلد يريده، ولا تستطيع منع اي من الفالاشا من ممارسة حقه في السفر الى اي جهة يريدها. لكننا في الوقت نفسه، نرحب بأي اثيوبي يرغب بالعودة الى بلده". ويأمل كثيرون من الفالاشا الذين يعيشون في قرى بعيدة عن العاصمة أن تتحسن أوضاعهم الاقتصادية بعد ذهابهم الى اسرائيل. الرجال منهم يحترفون الحدادة وعرفوا بمهاراتهم في صناعة الأدوات الحديد البسيطة التي تستخدم في الزراعة اضافة الى السكاكين والمطارق، أما النساء فعرفن بصناعة الأواني الرخامية والتماثيل من الطين الأحمر. ويخضع الفالاشا الذين ينتظرون في غوندار لتدريبات عدة قبل رحيلهم خلال الأسابيع المقبلة، فيدرسون اللغة العبرية والديانة اليهودية.