عادت اسرائيل الى تعزيز وجودها في منطقة القرن الافريقي، فدخلت اخيراً من بوابة الحرب الاثيوبية - الاريترية الثانية التي اندلعت في ايار مايو 1998، وذلك للاهداف نفسها التي دخلت من اجلها المنطقة ابان الحرب الاثيوبية - الاريترية الاولى 1960-1991، خصوصاً في اخر سنوات حكم الكولونيل منغيستو هايلي مريام 1974-1991 الذي كانت تزوده اسلحة لضرب الثوار الاريتريين. وفي مقدم هذه الاهداف تهجير اليهود الاثيوبيين الى اسرائيل وإقامة علاقة مميزة مع انظمة الحكم التي تتعاقب على الحكم فيها لاستخدام مياه النيل لغير مصلحة مصر والسودان. وعلى خلاف ما بدا للمراقبين فإن علاقات مميزة تربط بين اسرائيل واريتريا منذ استقلال الاخيرة عام 1991، إلا أن المصالح الاسرائيلية كانت في اتجاه آخر غير اريتريا وليس بعيداً عنها في اثيوبيا حيث يوجد احد منبعي النيل الرئيسيين في بحيرة تانا النبع الآخر في جنجا قرب العاصمة الاوغندية كمبالا. وتتحكم اثيوبيا بالمياه المتدفقة من تانا في اتجاه السودان ومصر. وإلى جانب المياه، يوجد في اثيوبيا نبع آخر بشري وحيوي للدولة العبرية يتمثل في الفالاشا الذين يهاجرون سنوياً بالآلاف في دفعات صغيرة الى اسرائيل. لكن الاهم من الفالاشا قومية اثيوبية تطلق على نفسها "شعب غيحون السامي" ويبلغ عدد افرادها نحو اربعة ملايين شخص يؤكدون انهم من اصول عبرانية. وتحجب وزارة الاستيعاب الاسرائيلية اي معلومات عن تعاملها مع هذه القومية، ولم تكشف ما إذا كانت تنظم رحلات هجرة لافرادها كما تفعل مع الفالاشا. وتأمل اسرائيل من تعزيز علاقاتها باثيوبيا في ابقاء باب الهجرة مفتوحاً امام المهاجرين اليها من الفالاشا او من شعب غيحون، الى جانب الضغط "مائياً" على مصر من خلال اثيوبيا، عندما تحتاج الى ذلك، خصوصاً في إطار مفاوضات السلام على كل المسارات العربية - الاسرائيلية. لا يعني ذلك ان اثيوبيا شرعت ابوابها المائية والبشرية الهجرة امام الدولة العبرية، لكنها تتعامل مع هذين البابين من زاوية مصالحها القومية. فرئيس الوزراء الاثيوبي ملس زيناوي اكد في مناسبات عدة انه "يتألم" مع مغادرة اي اثيوبي بلاده، وقال: "نظامنا الديموقراطي لا يمنع اي مواطن من السفر خارج بلده او العودة إليه، لكنه يمنع تنظيم رحلات هجرة جماعية وهو ما نلتزمه". وفي إطار قضية المياه، أكدت اثيوبيا اخيراً ان مصلحتها في التعاون مع مصر والسودان لا ضدهما. وجاء ذلك بعد فترات توتر وخلافات كثيرة بين اديس ابابا ومصر. واستطاعت الدولتان خلال العام الماضي حلّها والتوصل الى ارضية مشتركة واتفاق عام على اسس توزيع المياه واقتسامها بين دول حوض النيل العشرة. وعلى رغم ذلك، تواصل اسرائيل محاولاتها التسلل لعكس التيار المائي الجاري من تانا الى بحيرة ناصر في مصر. فاستغلت حاجة اثيوبيا الى السلاح اثر نشوب النزاع الحدودي بينها وبين اريتريا في أيار الماضي والذي تطور الى حرب توسعت في شكل خطير منذ السادس من الشهر الجاري. وأكد مكتب رئاسة الوزراء الاسرائيلية في بيان رسمي صدر في 8 ايلول سبتمبر الماضي بعد استفسارات واسئلة عدة، ان رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو سمح ببيع اثيوبيا 12 طائرة مقاتلة من طراز "ميغ - 21" بعد إدخال تعديلات تكنولوجية حديثة عليها، وذلك على رغم اعتراضات اريتريا. واوضح البيان الاسرائيلي ان "نتانياهو بارك عقد الصفقة وعدم عرقلتها". الى ذلك، ذكرت صحيفة "جيروزالم بوست" في الشهر نفسه، ان شركة "ايلبيت" الاسرائيلية للاسلحة التي تُطور مئة طائرة "ميغ -21" تابعة لسلاح الجو الروماني، ستزود اثيوبيا عشر طائرات منها بعد تطويرها. الرئيس الاريتري اساياس افورقي انتقد صفقات اسرائيل لبيعها مقاتلات الى اثيوبيا، وقال في 20 ايلول الماضي ان هذه الصفقات لم تعد سراً وان التبريرات التي جاء بها "نتانياهو وغيره من المسؤولين عن صيانة هذه الطائرات وتحديثها ... لا يمكن ان يصدقها سوى انسان ساذج". وتساءل: "ماذا ستفعل هذه المقاتلات التي اُضيف اليها رادارات ومعدات حديثة؟ هل تريد اسرائيل توسيع دائرة النزاع؟ ام ان ذلك ناتج عن رغبتها في بيع اسلحة، ام الوقوف الى جانب اثيوبيا"؟ وربما كانت الاجابات عن اسئلة افورقي الاربعة هي ان اسرائيل لا تقف الى جانب احد سوى مصلحتها. وثانياً، نعم ترغب في بيع الاسلحة. وثالثاً، تريد فعلاً توسيع دائرة النزاع كي تبقى اثيوبيا بحاجة اليها. وجاءت الاجابة عن السؤال الاخير دقيقة في حديث المبعوث الخاص للامم المتحدة الى القرن محمد سحنون الى "الحياة" الاسبوع الماضي عندما قال: "إن هذه أول حرب تستخدم فيها تكنولوجيا متطورة في افريقيا".