لم يعرف أحد في ذلك الحين لماذا اختار الزعيم السوفياتي جوزف ستالين يوم السادس والعشرين من حزيران يونيو 1945، ليعين نفسه "فيلدمارشال"، ليكون بذلك ثالث شخص في تاريخ روسيا والاتحاد السوفياتي يحمل ذلك اللقب. كثيرون اعتقدوا يومها ان السبب هو الانتصارات التي كان الجيش الأحمر حققها على القوات الألمانية الغازية، طوال الشهور الفائتة، وهي انتصارات كان من الطبيعي لشخص من طينة ستالين أن يعزوها الى نفسه معتبراً أنه بطلها. وربما كان هذا الاعتقاد صحيحاً. ولكن، لا بد من الاشارة، من ناحية أخرى، الى أن ذلك اليوم كان هو اليوم الذي عرف فيه ستالين، من طريق أجهزة استخباراته المتصلة بعملاء لها منتشرين في الولاياتالمتحدة وبريطانيا وسيقال ان الزوجين روزنبرغ كانا في عدادهم، ما تسبب في اعدامهما بعد ذلك بتهمة التجسس لحساب موسكو، ان الولاياتالمتحدة أجرت، أو هي في طريقها الى اجراء تجارب على تفجير قنابل نووية في صحراء نيفادا. هذا الخبر سره يومها، كما أرعبه. أرعبه لأنه اعتبر ان واشنطن سجلت عليه - في سباق التسلح القائم بينهما - نقطة أساسية، لكنه سرّه، لأنه جعله مأخذاً على الأميركيين سيمكنه من أن يفاوضهم وربما ان يبتزهم أيضاً، فضلاً عن أنه كان يعرف ان التفجير سري للغاية وأن لندن نفسها، حليفة واشنطن المقربة، لم تكن على علم به. هذه المشاعر كانت، كما يبدو، تعتمل في ذهن ستالين في ذلك اليوم حين أعطى لنفسه ذلك اللقب الاستثنائي فيلدمارشال، الذي كان آخر روسي مُنحه، هو القائد الكسندر سوفورف، بمبادرة من الامبراطورة كاترين الثانية يوم انتصاره على قوات نابوليون بونابرت، في العام 1790. وللتأكيد على تلك المكانة العسكرية الجديدة التي خص نفسه بها، أوحى ستالين بأن تجهز له بدلة فيلدمارشالية، مشترطاً أن تكون متقشفة، وطالباً ان تكون جاهزة ليرتديها لاحقاً خلال لقائه المقبل مع حليفيه، الأميركي والبريطاني. وهكذا خلال القمة التي عقدت في بوتسدام بين الحلفاء الثلاثة، "فاجأ" ستالين، كلا من ترومان وتشرشل قبل أن يستبدل هذا الأخير بكليمان آتلي، بسبب فوز العمال في الانتخابات البريطانية في ذلك الحين بالذات، فاجأهم ببدلته الجديدة. غير أن تلك لم تكن المفاجأة الوحيدة. الثانية كانت أقسى بكثير. وحكايتها انه خلال لقاء جمع ترومان وتشرشل وهنري ستمسون، وزير الحربية الأميركية، اعطى هذا الأخير لرئيسه برقية مشفرة جاء فيها "لقد ولد الأطفال حقاً". لم يفهم تشرشل شيئاً من البرقية، لكنه أدرك ان ما فيها أشاع السرور لدى الأميركيين. بعد ذلك شرح له ستمسون ان الأمر يتعلق بنجاح تفجير قنبلة ضخمة في صحراء نيومكسيكو. وتتابع النقاش ليطاول هذه المرة فكرة ضرب اليابان بهذه القنبلة. واتفق الزعيمان على أنه إذا كان عليهما أن يلجآ حقاً الى ضرب اليابان، فإنه سيكون من الواجب ابلاغ ستالين بالأمر منذ الآن. وبالفعل قام ترومان عند جلسة القمة الصباحية وتوجه نحو ستالين الذي كان ينتظر سيارته وهو "يتبختر مزهواً ببدلته الفيلدمارشالية"، وأخذ يهمس له، فيما ظل تشرشل يراقب المشهد من بعيد. ولفت نظره - كما سيروي هو لاحقاً - ان سيماء ستالين ظلت على حالها فيما ترومان يحدثه عن واحد من أخطر الأمور. وكان موقف ستالين مدهشاً للرجلين، خصوصاً ان ترومان حكى لتشرشل على الفور أنه حدّث ستالين بأمر القنبلة الضخمة وهو يتوقع ان يبدي دهشة وانزعاجاً، لكنه لم يبد أي رد فعل. والحقيقة ان ما لم يكن الرجلان يعرفانه في ذلك الحين، هو ان ستالين كان عالماً بالأمر، وأنه كان سبق أن اطَّلع على التفاصيل المتعلقة بمشروع مانهاتن تجربة تفجير القنبلة النووية، ربما قبل أن تصل تلك التفاصيل الى علم ترومان نفسه. بعد ذلك، تساءل المؤرخون لاحقاً، أفلم يكن من حق ستالين ان يعطي نفسه لقب فيلدمارشال، وان يفرح ببدلته الجديدة في الصورة: ستالين وترومان، خلال قمة بوتسدام.