اذا كان تفجير الاتحاد السوفياتي قنبلته النووية الأولى اثار قدراً محدوداً من القلق لدى الاميركيين، بحيث بدوا اكثر اهتماماً بمعرفة الكيفية التي تسربت بها المعلومات من عندهم الى المختبرات السوفياتية اكثر من اهتمامهم بما سيترتب على ذلك التفجير مستقبلاً. فان تفجير السوفيات لقنبلتهم الثانية كان اكثر اثارة لقلق واشنطن، بكثير. لأن هذا التفجير جاء ليؤكد ان الاتحاد السوفياتي اصبح الآن، وبصورة نهائية، عضواً ثانياً في النادي النووي، الذي كان الاميركيون يرون قبل سنوات، ان عضويتهم الوحيدة فيه ستطول. ونذكر للمناسبة ان بريطانيا ستكون العضو الثالث، يوم 2 تشرين الاول اكتوبر 1952، بتفجيرها، هي الاخرى، قنبلتها النووية الاولى في جزر مونتبللو الاسترالية. وقبل ذلك الموعد البريطاني، بعام كامل، اي في الثاني من تشرين الاول من العام السابق، كان التفجير النووي السوفياتي الثاني، الذي استفز الرئيس هاري ترومان هذه المرة بشكل اكثر جدية. والحال ان ما زاد في استفزاز ترومان، هو ان الاتحاد السوفياتي كان طوال صيف ذلك العام، يعيش نوعاً من "الهستيريا السلمية" على حد تعبير صحافي اميركي. اذ في الوقت الذي كان فيه الاميركيون، تحت علم الأممالمتحدة وفي ظلها يخوضون حرباً شرسة في كوريا - حرباً افقدتهم الشعبية التي كانوا اكتسبوها خلال الحرب العالمية الثانية -، عمد ستالين، زعيم الاتحاد السوفياتي، الى استخدام سلاح حاسم، ضد الاميركيين، وهو سلاح السلام. فالواقع ان ستالين عرف تماماً كيف يستغل الخوف الذي انتاب شعوب العالم اجمع. ولا سيما شعوب الأمم التي كانت تشارك في الجهود الحربية في كوريا، فتلك الشعوب كانت بدأت تبدي خشيتها من ان تتوسع تلك الحرب لتصبح حرباً عالمية ثالثة. وهي خشية، لا شك لعبت الدعاية السوفياتية عليها كثيراً، اذ حسبنا اليوم ان نقرأ العديد من صفحات كتاب "ارشيف متروخين"، الصادر قبل ايام في لندن، لنرى كيف لعب الاتحاد السوفياتي الكي. جي. بي لعبته تلك. ولا سيما عن طريق "مثقفين اوروبيين واميركيين ديموقراطيين، لم يتورعوا عن لعب لعبة موسكو شانّين هجوماً عنيفاً في سبيل السلام". يومها قامت هناك "لجنة السلم العالمية" ناشرة مكاتبها في شتى انحاء العالم. وصدر "بيان السلام" في ستوكهولم، وراحت مسيرات السلام تذرع شوارع باريسولندن وبروكسيل وروما. وكانت تلك المسيرات تقدم الاتحاد السوفياتي بوصفه بطل السلام في العالم… الخ. من هنا، حين فجر الاتحاد السوفياتي قنبلته النووية الثانية في خضم تلك الظروف بالذات، احس ترومان انه مستفَّز الى أبعد الحدود، هو الذي كان اعلن بنفسه قبل سنوات قليلة التفجير السوفياتي الاول. هذه المرة، رأى ترومان انه بات عليه ان يتحرك بشكل اسرع وأفضل، وهكذا، استغل فرصة القائه الخطاب حول احوال الاتحاد، في العام التالي، ليركز حديثه على المخاطر النووية، متحدثاً عن "تفجيرات لا يمكن ان تقاس بها قنبلتا هيروشيما وناكازاكي". وأضاف ترومان قائلاً: "ان الناس العاقلين لا يمكنهم أبداً ان يلجأوا الى الحرب النووية.. نحن نعرف ذلك، ولكن لا يمكننا أبداً ان نسمح لأنفسنا بأن نفترض بأن الآخرين سوف لن يستسلموا امام الاغراءات التي يوفرها العلم لهم الآن". وبعد هذه العبارات وجه ترومان خطابه الى ستالين قائلاً: "انني اود هنا ان اقول الى ستالين شيئاً: انك تقول بأنك مؤمن بنبوءة لينين القائلة بأن حرباً تقوم بين عالمكم وعالمنا، ستكون واحدة من مراحل تطور المجتمع الشيوعي. غير ان لينين كان انساناً - ما - قبل - نووي. وكان ينظر الى المجتمع والتاريخ بعيون ما - قبل - نووية. والحال ان العالم عرف تبدلاً عميقاً منذ اللحظة التي كتب فيها لينين نبوءته تلك. حيث ان شكل الحرب وأبعادها قد تبدلت. اليوم لم يعد في امكان الحرب ان تكون مجرد مرحلة من مراحل اي تطور، باستثناء ذلك التطور الذي سيمثله دمار نظامكم ودمار وطنكم" واستطرد ترومان قائلاً: لست ادري كم من الوقت سوف يمضي قبل ان يقرر القادة الشيوعيون الاعتراف بهذه الحقيقة. ولكنهم حين يعترفون بها سوف يجدوننا مستعدين لنعقد معهم اتفاقاً يحمي العالم من الخطر الذي يحيط به حالياً". طبعاً لم يؤد خطاب ترومان الى وقف السباق النووي. لكن تفجير الاتحاد السوفياتي للقنبلة الثانية، كان له مفعول سلبي - على اية حال - على الحركة الشيوعية في العالم، ولا سيما في فرنسا، حين ادى ذلك الى خسارة كبيرة لحقت بالشيوعيين في انتخابات محلية تلت ذلك. الصورة: لينين