عقب توليه حكم مصر اهتم الملك الناصر صلاح الدين 1171 - 1193م بعمران المنطقة الواقعة خارج القاهرة الفاطمية بين باب زويلة وجامع احمد بن طولون، فقسمت الى خطط عدة بينها خط "الدرب الاحمر" الذي لا يزال يعرف بهذا الاسم حتى اليوم. ويتصدر هذه المنطقة جامع الصالح طلائع بن رزيك، الذي يعتبر آخر اثر من عصر الفاطميين في مصر. وفي 1176 بدأ صلاح الدين بناء سور حول القاهرة بعد اتساعها العمراني في بداية عهده. وظل هذا السور، لسنوات طويلة، مطموراً تحت تلال من الأتربة وعشرات من المباني الحديثة العشوائية، الى ان تم كشفه اخيراً بالتعاون بين المجلس الاعلى المصري للآثار وبرنامج دعم المدن التاريخية التابع لمؤسسة "الاغاخان للثقافة" - مقرها في جنيف -. ويأتي هذ الكشف في اطار مشروع لترميم الجهة الشرقية للسور، والتي تمتد بطول خمسة كيلو مترات ونصف، من برج الظفر شمالاً وحتى قلعة الجبل صلاح الدين جنوباً، وانشاء حديقة على مساحة 30 هكتاراًً فوق تلال "الدراسة" التي كانت لفترة طويلة مجمعاً للنفايات ومأوى لتجار المخدرات والخارجين على القانون، وكذلك ترميم مجموعة من آثار "الدرب الاحمر" والارتقاء بمحيطها السكاني اجتماعياً واقتصادياً بكلفة تصل الى 85 مليون جنيه، وعلى مراحل حتى نهاية العام 2001. وينقذ برنامج "الاغاخان" لدعم المدن التاريخية هذا المشروع من خلال شركة للخدمات المحلية، بالتنسيق مع المجلس الأعلى المصري للآثار ومحافظة القاهرة. وبالاضافة الى هذا المشروع، فإن "البرنامج" الذي تأسس في العام 1992 ينفذ حالياً ثلاثة مشاريع اخرى هي ترميم قلعة بلتيت وقرية كريم آباد في شمال باكستان وتطوير بلدة الحجر القديمة في زنجباز وتخطيط المدينة التاريخية في سمرقند. وبالنسبة الى كشف الجزء الشرقي من سور صلاح الدين، فإن ذلك استدعى رفع حوالي 600 الف متر مكعب من الاتربة وإزالة اشغالات عدة كانت تعوق سير العمل، منها نزل للشباب ومرآب للسيارات ومخزن لقوارير الغاز. ويذكر ان المجلس الأعلى المصري للآثار كان بدأ اعمال انقاذ سور صلاح الدين في العام 1995، من خلال بعثة حفر كشفت عن برجين من السور والمسافة بينهما وحجرة رماية بارتفاع ثلاثة امتار. وفي موسم العمل التالي 96/1997 تم الكشف عن اربعة ابراج اخرى بينها اربع حجرات رماية بارتفاع ثلاثة أمتار ايضاً. وفي موسم 97/1998 بدأت مشاركة مؤسسة "أغاخان" في المشروع ما ادى الى كشف خمسة ابراج اخرى، فضلاً عن باب "درب المحروق". وتعود اهمية هذا الباب الى حادثة تاريخية شهيرة في بداية العصر المملوكي، اذ قام مماليك عزالدين اقطاي بعد مقتله على يد كل من الملكة شجر الدر وزوجها عزالدين ايبك في القلعة بحرقه ليتسنى لهم الفرار من القاهرة قبل ان يبطش بهم منافسوهم. ومن ابرز هؤلاء المماليك سيف الدين قلاوون والظاهر بيبرس اللذان تولى كل منهما حكم مصر في وقت لاحق. وقد وضعت منطقة آثار جنوبالقاهرة خطة لفتح هذا الباب من جديد، تقضي بإزالة أربعة مساكن تحجبه عن ميدان "أصلم السلحدار" الذي يخرج منه شارع الى باب زويلة، احد اشهر ابواب القاهرة الفاطمية والذي شهد إعدام السلطان طومان باي شنقا على يد العثمانيين. وخلال الموسم نفسه تم الكشف عن طابق من برج "درب المحروق" الذي يعد اكبر ابراج قلعة صلاح الدين، وفي موسم 98/1999 تم الكشف عن ثلاثة ابراج مستديرة من الجهة الخارجية للسور، ومربعة من الداخل، وينزل اليها بدرج. وبعد ذلك كشفت بقايا منصة "ميدان القبق" الذي انشأه الظاهر بيبرس ليكون ميدان التدريب الرئيسي للجيش المملوكي. وتركز مؤسسة "اغاخان" حاليا بالتعاون مع المجلس الاعلى المصري للآثار ومحافظة القاهرة على تحويل تلال الدراسة المواجهة للجهة الشرقية من سور صلاح الدين الى حديقة اطلق عليها اسم "حديقة الازهر"، واعادة تهيئة القطاعات المجاورة لها من حي "الدرب الاحمر" في الوقت نفسه ويغطي مشروع حديقة الازهر مساحة 30 هكتاراً تمتد ما بين الطرف الشرقي للمدينة الفاطمية وموقع مقابر المماليك الذي يكتظ حالياً بالسكان ويتوقع الشروع في مطلع العام المقبل في غرس اشجار تلك الحديثة التي يحاكي تصميمها حدائق العهد المملوكي، على ان يكتمل العمل فيها بحلول نهاية العام 2001. وسيتم التركيز في مشروع تطوير محيط الحديقة على المنطقة المحاذية للسور التاريخي وعلى دروب المشاة التي تصل بين المدخل الرئيسي للحديقة في ميدان جامع الازهر. وسيتم في هذا الاطار ترميم عدد من المباني الاثرية وإعادة استخدامها لتستوعب خدمات اجتماعية معينة مثل مراكز صحية وتربوية ومراكز تشغيل ومؤسسات صغيرة ومقراً لمنظمة غير حكومية لتهتم بإعادة تهيئة المنطقة اجتماعياً واقتصادياً.