فيم فندرز المخرج الألماني الباقي وحده على قيد العمل تقريباً من بين مؤسسي السينما الألمانية "الجديدة"، سبق له أن صور طوكيو وبرلين، كما صور لشبونة وبلدة "باريس" الصغيرة في ولاية تكساس الأميركية. من خلال تصويره لهذه المدن تبدى فندرز دائماً صاحب رؤية وجوال افاق متميز، خصوصاً حين يمزج الموسيقى بحلم المدينة. واليوم ها هو يعود من جديد، ولكن إلى هافانا، عاصمة كوبا، والذريعة تصوير هذه النهضة الموسيقية الجديدة التي تغزو العالم اليوم، وفرسانها "شبان" تراوح أعمارهم بين 50 و90 سنة، وعلى رأسهم إبراهيم فيرير 72 سنة. هذا الموسيقي الاسطوري الذي كان نسي منذ أواخر سنواته الخمسين إلى درجة أنه اضطر للعمل ماسح أحذية طوال أكثر من 35 سنة، ثم "حدثت المعجزة" يقول فيرير، في العام 1996 حين "تذكرني شخص ما، والتقطني من الشارع طالباً إليّ أن اسجل... فسجلت". ومنذ تلك اللحظة وشهرة ابراهيم فيرير لا تتوقف عن الصعود. واليوم ها هو فيم فندرز يأتي ليكرس ذلك في فيلمه الذي بدأ يعرض هذه الأيام في باريس بعنوان "بوينانيستا سوشيال كلاب" وهو تحية إلى فيرير بقدر ما هو تحية إلى الموسيقى الكوبية. والحكاية بدأت قبل سنوات حين كان فندرز يصور فيلمه "حتى آخر العالم" فجاءه عازف الغيتار الأميركي راي كودر الذي ألف وعزف موسيقى فيلمه "باريس تكساس" وحدثه عن إبراهيم فيرير الذي كان التقاه في كوبا. ثارت حماسة فندرز على الفور وقال لكودر: "عندما تذهب إلى كوبا في المرة المقبلة خذني معك". وهكذا كان. ومن ذلك اللقاء ولد الفيلم الذي يجمع بين نظرة فندرز إلى هافانا اليوم، وبين فيرير ورفاقه وهم يسجلون ألحانهم في الاستوديو، بالا ضافة إلى حوارات معهم وعنهم، وإلى حفلتين كبيرتين صورت أولاهما في امستردام والثانية في "كارنيجي هال" في نيويورك، حيث عزف إبراهيم فيرير ورفاقه أمام ألوف المتفرجين. واحدة من أجمل لقطات الفيلم، كما يقول النقاد الذين شاهدوه هي تلك التي تصل فيها الكاميرا إلى عيني فيرير غارقتين في الدموع فيما الجمهور النيويوركي يصفق له واقفاً.