في صحراء سيناء، عاش البدو منغلقين على أنفسهم بعادات وتقاليد تعود الى آلاف السنين. سكنوا الخيام والاعراش، يتدفأون بنار الحطام والخشب، وسيلتهم الوحيدة للطاقة، والاعشاب مصدر دوائهم. وكانت للزواج تقاليد خاصة، والثوب المطرز والبرقع الزي الوحيد للفتيات والنساء. ولم يعرف البدو المحاكم، فالعرف كان الفاصل الاول في منازعاتهم... اليوم تغيرت ملامح المجتمع البدوي. فالزواج صار في عقود موثّقة ومسموحاً به من خارج القبيلة. وانتقلت افراحهم الى الاندية بدلا من الخلاء. وعرفت الفتاة التنورة و"البلوزة"، وخلعت البرقع وارتدت البنطلون "الجينز"، واتجهت الى الدراسة، فبلغت نسبة الإناث في التعليم الجامعي نحو 25،51 في المئة شمال سيناء. وتضم المحافظة حالياً 319 مدرسة في الريف والحضر، يدرس فيها نحو 110،58 تلاميذ، فضلاً عن 89 معهداً. وهناك كليتان هما نواة جامعة سيناء المزمع انشاؤها في اطار المشروع القومي لتنمية سيناء. اما في جنوبسيناء، فبلغت نسبة الاناث في التعليم قبل الجامعي 55،44 في المئة، وعدد المدارس 114 مدرسة. وتقول امرأة بدوية ان لديها اربعة ابناء في مراحل التعليم المختلفة، بينهم شاب وفتاة في كلية التربية في العريش، "وقد طلبت من زوجي عدم تعليم الفتاة في الجامعة الا انه رفض وأصر على تعليمها". واصبحت المستشفيات هي مكان العلاج الاول لكثير من بدو سيناء، فبلغ عددها والوحدات الصحية في الشمال سبعة مستشفيات وفي الجنوب تسعة. وبلغت نسبة اقبال نساء البدو على استخدام وسائل تنظيم الاسرة 8 في المئة في الجنوب وثلاثة في المئة في الشمال. وعلى رغم كل هذه التغيرات، لا تزال نسبة منهم تعيش حالة البداوة والتنقل في الصحراء، تعتمد على الرعي وتتمسك بكل عاداتها وتقاليدها، بينما المساكن والمحلات التجارية ودور السينما والفنادق والشاليهات على مرمى حجر منها. ومن البدو من يصر على استخدام الجِمال كوسيلة للتنقل في وقت يعج موقف المدينة بالسيارات والباصات. وفي المنازل البدوية تتجاور اجهزة التلفزيون والاطباق الهوائية مع السيوف المعلقة على الجدران. عيد السويركي، أحد ابناء قبيلة "السواركه"، يقول ان هذه التناقضات في حياة البدو مردها الى ان نسبة منهم، لا سيما المتقدمين في السن ما زالوا، رغم كل التغيرات، يحتفظون بالعادات والتقاليد البدوية، في حين اتجهت الاجيال الجديدة الى التعليم ونهج الحياة الحديثة. ويضيف ان القبيلة ما زالت موجودة، إلا انها لم تعد على القدر نفسه من الاهمية، خصوصاً بعد اتجاه البعض الى الزواج من خارجها، وانتشار ابناء القبيلة الواحدة في كل مكان بحثاً عن الرزق. وتقول عبلة المسعودي، إحدى بنات البدو وعضو المجلس المحلي الشعبي في الاسماعيلية، ان هذه التغيرات لا تعني ان البدو قد انسلخوا تماماً عن جذورهم وعاداتهم وتقاليدهم، فهم ما زالوا متمسكين ببعض هذه العادات التي تظهر في المناسبات والاعياد. وبقي المجتمع البدوي منغلقاً على عاداته وتقاليده سنوات طويلة، حتى العام 1967 واحتلال اسرائيل ارض سيناء. ويقول محمد محسن، مدير الشؤون الاجتماعية في القنطرة شرق، ان "تغيرات جوهرية في حياة الجماعات البدوية حدثت بعد الاحتلال، وأصيب البناء القبلي بخلل، إذ هاجر العديد من البدو الى وادي النيل. ونتيجة لهذه الهجرة أقبل البدو على الزواج من خارج القبيلة خوفاً من انخفاض أعدادهم. وكان الزواج يبرم بمعرفة احد المختصين بشؤون الارض المحتلة، من دون الاستعانة بأي مسؤول شرعي، وبعد التحرير اعيد توثيق هذه العقود بمعرفة السجل". ويضيف أن المرأة البدوية في ظل الاحتلال ارتدت التنورة التي حلت محل الثوب ابوردان، كما أجبرت على التخلي عن البرقع، بحجة الدواعي الامنية، كما بررتها السلطة المحلية الاسرائيلية. وعرف البدو تحت الاحتلال أعمالا جديدة غير الرعي مثل نقل المياه والحراسة واعمال الزراعة لدى الغير والبيع والتجارة والنقل والمواصلات والبناء والمعمار. ولعبت برامج التوطين التي نفذتها مصر او برنامج الغذاء العالمي دوراً أسهم في استقرار البدو واستجابتهم للحياة الحديثة، فأنشئت لهم مجمعات سكنية جديدة وتلقوا المعونات في المناطق الوسطى والشمالية والجنوبية لإقامة الوحدات الزراعية الفردية وحفر مصادر للمياه. كما توسعت الاجهزة الحكومية في تقديم كافة الخدمات وانشاء المرافق من اجل توطينهم، فأنشأت 1251 وحدة سكنية العام 1996، منها 938 وحدة اسكان اقتصادي و151 وحدة اسكان متوسط و108 اسكان فوق المتوسط، و54 وحدة اسكان فاخر، فضلاً عن تطوير كافة المرافق والخدمات.