الوضع في جنوبلبنان وعملية السلام في الشرق الاوسط مقوّمان رئيسيان يتحكمان بأرقام السياحة في لبنان. هذا التلازم ردّده غير مسؤول وفاعلية في القطاع السياحي. وفي رأي هؤلاء، ان أي انتكاسة في الجنوب من شأنها ان تشوّه صورة لبنان في الخارج وان تسيء الى استقراره الأمني وبالتالي الى حركته السياحية. فالإعلام الخارجي يكتفي بنقل الحدث الأمني ولا يأتي على ذكر أي تفصيل آخر كمثل وقوع الجنوب في الطرف واختلاف وضع الداخل اللبناني الذي يتمتع بالأمن والإستقرار والحياة الطبيعية. وهذا الوضع يجهله الأجنبي سواء كان عربياً أو أوروبياً أو أميركياً أو آسيوياً لم يزر لبنان ليتأكد من سلامة الأوضاع. ولبنان ليس البلد الوحيد في المنطقة الذي تتأثر سياحته بل ينسحب ذلك على دول مجاورة تقع في الإقليم السياحي نفسه وترتبط ظروفها بعملية السلام. وفي انتظار تحقيق السلام واستقرار المناطق المتاخمة لاسرائيل، تتطلب المرحلة الإنتقالية عملاً كثيفاً وموازنات ضخمة لتمويل الحملات الإعلامية والترويجية في الخارج ما يستلزم دوراً أكبر وأشمل لوسائل الإعلام الفضائية اللبنانية وسعياً متواصلاً لدى وسائل الإعلام الدولية لتسويق واقع لبنان المستقر والآمن والذي قد لا توفره أي دولة أوروبية أو أميركية. من هنا، وعت وزارة السياحة ممثلة بالوزير أرتور نظريان أهمية دور القطاع الخاص في إعادة إنماء السياحة اللبنانية، فسعت الى إحياء المجلس الوطني لإنماء السياحة بانتخاب مجلس إدارة جديد مؤلف من 16 عضواً يمثلون القطاع الخاص كونه القادر والمؤهل للقيام بدور المسوّق والمموّل لسياحة أفضل، فيكمّل ما تعجز عنه الإدارة الرسمية بسبب موازنتها الخجولة التي لا تتعدّى السبعة بلايين ليرة لبنانية ثلثاها للرواتب. ولم يكن أمام الوزارة خيار آخر، خصوصاً على مشارف الألفية الثالثة التي ستشهد احتفالات تعمّ خمس دول تقع في الإقليم السياحي نفسه وهي سورية ومصر والسودان وفلسطين والأردن، وقد حملت شعار "الألفية الثالثة مهد الإيمان والسلام". وستتركز على السياحة الدينية كون المناسبة تمثل ميلاد السيد المسيح الذي زار هذه الدول ومنها لبنان. لذا، كان من الضروري الإعداد لهذه المناسبة ليحجز لبنان حصته من الخمسة ملايين سائح المتوقع قدومهم هذه السنة. وأعدّت الوزارة خطة تتضمن نشاطات تغطي السنة بكاملها فضلاً عن مشاريع تأهيل المواقع الدينية وتحديثها ووضعت خارطة بالمناطق التي زارها السيد المسيح. وجهود القطاعين العام والخاص هذه تهدف الى استعادة لبنان دوره السياحي الذي بلغ عزّ ازدهاره العام 1974 بقدوم 5.1 مليون سائح، في حين ان ارقام 1998 تشير الى نحو 640 ألفاً باستثناء اللبنانيين المغتربين والسوريين. والى جانب الاستعدادات لاحتفالات الألفية الثالثة، سعى لبنان الى تحسين أرقام سياحته فسجلت نمواً مضطرداً بلغت نسبته العام الماضي 13 في المئة. وتذهب التوقعات في تفاؤلها هذه السنة الى أبعد من ذلك استناداً الى الحجوزات والإستطلاعات الرسمية والخاصة عن مستوى الإقبال. من هنا، يحفل صيف 1999 بنشاطات دولية ومحلية وثقافية وفنية وتراثية خصوصاً ان بيروت أُعلنت عاصمة الثقافة العربية لسنة 1999 فضلاً عن مهرجان السياحة العربية وشهر العروض، ما حوّل هذا الصيف برنامجاً متكاملاً يلبّي متطلبات السائح العربي كما الأجنبي، إذ ينتظر ان تتوسع دائرة الجنسيات الزائرة لتشمل بعد العربي والأوروبي الأميركي أيضاً. البنى التحتية في ظل كل هذه التحضيرات الآنية والخطط المستقبلية لسياحة أفضل، حقّق لبنان ومنذ نهاية الحرب أي في العام 1991 خطوات مهمة في إعادة تأهيل البنية التحتية السياحية التي سبقتها إعادة بناء للبنية الخدمية. وشملت القطاع الفندقي، فأعيد تأهيل ما هو قائم وترميم ما هو متضرر وبناء فنادق جديدة، علماً ان معظم الإستثمارات الموظفة في هذا الحقل تعود الى شبكات فندقية عالمية وعربية على غرار "هوليداي - إن" و"ماريوت" و"شيراتون" و"روتانا". وفرض هذا الواقع تغييراً في عدد الغرف المتوقع ان يرتفع من 10500 الآن الى نحو 15 ألفاً في السنة 2002. ومع ان السوق الفندقية تتميز الآن بعمليات عرض تفوق الطلب فإن حركة الإعمار تتجه نحو التطور المتواصل. ولا يتخوف القيّمون في هذا القطاع من تضخم في العرض بفعل ازدياد عدد الفنادق. إذ أن المنافسة ستضطلع بدور مهم في خفض الأسعار، خصوصاً أن هناك مَنْ يردّ ضعف الإقبال السياحي الى ارتفاع كلفة السياحة في لبنان. إلا أن هناك من يعارض هذا التوجه وينطلق من الخيارات المتعددة والملائمة لكل المستويات فضلاً عن الميزات التفاضلية التي يتمتّع بها لبنان لجهة الضيافة وحسن الإستقبال وجودة الخدمات ومناخه الطبيعي حيث توزّع فصوله الأربعة المواسم بين التزلج والرياضات البحرية. ختاماً، يبقى على الأجهزة الرسمية إيلاء السياحة اللبنانية الإهتمام اللازم وتحديداً على مستوى زيادة موازنة وزارة السياحة على نحو يمكّنها من إعطاء دفع جديد للسياحة وزيادة مساهمتها في الإقتصاد الوطني خصوصاً ان السياحة شكلت عام 1974 25 في المئة من الناتج القومي.