المراسم الشعبية التي أعدها "حزب الله" وانصاره لاستقبال الملالة العسكرية الاسرائىلية التي غنمتها المقاومة الاسلامية وسط شارع الاوزاعي، الخط الرئيس الذي يربط العاصمة بجنوب لبنان تحولت بعد ظهر امس عرساً وطنياً حقيقياً. فبدءاً من الثالثة عصراً راحت سيارات لفّت برايات "حزب الله" تبث الأناشيد الحماسية عبر مكبرات للصوت تليها هتافات ومقتطفات من خطابات الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله". وبعد دقائق على نداء وجّه عبر مذياع من داخل حسينية الهادي يخاطب "جماهير المقاومة بلغنا ان بيارق الفرسان بدأت تلوح من بعيد هلموا الى استقبال ابطال عملية بيت ياحون مع الآلية التي غنموها"، حتى بدأ الناس يتقاطرون بالمئات مشياً وبالسيارات لتغصّ بهم جنبات الطرق وكلما تقدّمت عقارب الساعة كلما تضاعفت الحشود وسدّت الطرق في الاتجاهين وسط زحمة سير خانقة ما دفع ضباط قوى الأمن الداخلي وافراده الى قطع الطريق حيث ترجّل الناس من سياراتهم وانضموا الى الحشود التي غصّت بهم اسطح الابنية وشرفاتها فيما احتشد العشرات من المراسلين الاجانب والمحليين على اختلاف وسائلهم في كل مكان وتمترس المصورون في نقاط مطلة على الطريق وهم يصوّبون عدسات كاميراتهم جنوباً في انتظار عبور ناقلة الجند. وما ان سمع بعض المواطنين منظمي الاستقبال يتلقون عبر اجهزتهم الخليوية ان الملالة وصلت الى منطقة خلدة حتى علا الصراخ وانتشر الخبر كالنار في الهشيم وأخذ الناس يتراكضون في اتجاه المدخل الجنوبي للاوزاعي وسط الحر الشديد بفعل الازدحام، ما تسبب بحالات اغماء، كان ضحية احداها مصور "النهار" علي حسن. كانت الساعة تشير الى الرابعة حين أطلّت الملالة وعليها نجمة داود ورقمها العسكري وكتابة بالعبرية، ورايات "حزب الله" ترفرف فوقها، وآثار الرصاص عليها... فاندفعت الحشود نحوها كأمواج بشرية، تتقدمها عشرات الدراجات النارية التي يمتطيها عناصر من "حزب الله" تظللهم الاعلام، وبصعوبة بالغة كانت الملالة تشق طريقها الى ان وصلت الى قبالة الحسينية محطة الاستقبال وقد أحيطت بسواتر بشرية بالعشرات من عناصر المقاومة بالزي الاسود لمنع الناس من الاقتراب منها، فعلا التكبير والتهليل وراحت النسوة تنثر الرز على ستة مقاومين كانوا على متنها بينهم قائدها وسابع شوهد خلف رشاش ثقيل واخريات كنا يباركن لهم نصرهم. وقد نحرت الخراف امامها بينما كان آخرون يطلقون المفرقعات في الجو ابتهاجاً. وفي حين لم يفلح احد في اختراق الساتر البشري من حول الملالة أصرّ رجل في العقد السادس على ان يتسلّق الآلية لتقبيل المقاومين عليها، تبعه طفل في الخامسة يرتدي بزة عسكرية مرقطة أدى التحية العسكرية ورفع يده قائلاً "لبّيك يا نصرالله". ثم اعتلاها ممثل قيادة "حزب الله" الشيخ علي خشاب الذي راح يكبّر ويهتف وتردد الحشود من بعده. أكثر من ساعتين استغرق عبور الملالة وسط الحشود والسيارات التي راحت تطلق أبواقها على مفترقات الطرق، وهي تتجه نحو باحة شورى حزب الله في حارة حريك حيث أعد لها استقبال حاشد ضمّ عشرات الألوف. وبوصولها الى الباحة، ترجّل قائدها وهو يحمل رشاشاً ثقيلاً، فأخذه مقاومون ووضعوه ارضاً وسلّموه بدلاً منه بندقة "ام-16"، فرفعها وتقدّم نحو السيد نصرالله فسلّمه اياها ثم تعانقا بحرارة وقلّده الاخير ميدالية وعلّق على صدره وساماً وأعطاه سيفاً مذهباً. فادي عربية، في العشرينات، ذو الملامح الشقراء، الذي اثّرت حرارة الشمس في وجهه، قال انهم يعيشون في الجبال والوديان تحت لظى حرّ الصيف وبرد الشتاء ويخوضون المعارك دفاعاً عن الوطن وهم يحملون دماءهم على أكفهم. فهل كثير علينا مشاركتهم فرحة النصر بساعات معدودة؟ ويعلّق محمد حدرج بالقول "مناسبة مثل هذه لا تفوت لاننا نشتم منها رائحة التحرير". وتقول سعاد، في العقد الثالث، وكانت تأتزر التشادور "يغمرني الفرح ولا أعرف كيف أعبّر عن مشاعري. كنا نراهم عبر شاشات التلفزة والآن نرى رجال المقاومة مع غنائمهم وجهاً لوجه".