أخيراً فعلها الحلف الأطلسي بقيادة الولاياتالمتحدة ونفذ تهديداته ضد ميلوشيفيتش حين لم يوافق على شروط اتفاق رامبوييه من دون قيد أو شرط، وهو ما تعودت عليه أميركا منذ أن فرضت شروط إنهاء الحرب على العراق في خيمة صفوان اثر انتهاء حرب الخليج. الآن وبعد مضي أكثر من شهر على القصف الجوي ليوغوسلافيا وإمطارها بوابل من الصواريخ والقنابل المختلفة الأوزان والأحجام واشتراك مئات الطائرات الحديثة في القتال، ما زال ميلوشيفيتش على تعنته ولم يذعن على خلاف ما توقعه الحلف الأطلسي. هناك سؤال: ماذا استفاد ألبان كوسوفو من كل هذه العملية التي بدأت بحجة الدفاع عنهم وتأمين حقوقهم؟ إنهم لم يكسبوا شيئاً، بل ربما كان أهل كوسوفو أكبر الخاسرين في هذه اللعبة، إذ تشرد أكثرية سكان الاقليم الذي يكاد يفرغ من سكانه .... وتبين من خلال هذه العملية ان جيش تحرير كوسوفو ما هو إلا واجهة وشكل ومجرد استعراضات، لا حول ولا فعل له على الأرض في الدفاع عن سكان الاقليم وكل شعاراته البراقة ومطالبته باستقلال الاقليم ما هي إلا زوبعة في فنجان. في المقابل، نرى حنكة القائد السياسي الألباني إبراهيم روغوفا الذي اختار التوقيت المناسب ليفاوض ميلوشيفيتش، إذ أن الحكومة اليوغوسلافية هي الآن في أضعف حالاتها، ولا يمكن أن يكون موقف الجانب الألباني أقوى مما هو عليه الآن تحت دوي أصوات صواريخ وقنابل الحلف الأطلسي، وبالتالي بإمكانه انتزاع شيء من ميلوشيفيتش، لأن الحل لن يأتي إلا من الداخل وبالجلوس إلى طاولة المفاوضات والحوار لحل المشكلة .... الولاياتالمتحدة تريد بهذه العملية أن تكرس زعامتها للعالم وتبرهن على أن حل أي مشكلة في العالم لن يتم بمعزل عن إرادتها وتدخلها حتى في قلب أوروبا العاجزة عن حل مشاكلها المستعصية من دون واشنطن. كما ان أميركا تريد أن تجعل الحلف الأطلسي بديلاً للمنظمة الدولية الأممالمتحدة، وأن تكون قوات الحلف القوة التنفيذية للقرارات التي تتخذها بالتعاون مع حلفائها. وهي تريد أن تكرس مبدأ الديبلوماسية المدعومة بالقوة العسكرية في العلاقات الدولية، ولتؤكد على صدقية تهديداتها التي قال عنها البعض إنها لن تتجاوز الكلام والتلويح باستخدام القوة. ولكن مهما طال القصف الجوي لن يحقق الحلف أهدافه ما لم يتدخل برياً في الاقليم، وهذا الأمر مستبعد حالياً على الأقل، لأن أميركا والحلف يدركان مدى فداحة الخسارة جراء تورطهم في المستنقع اليوغوسلافي. وأميركا لم تنس بعد المستنقع الفيتنامي، فهل سيحصل هذا التدخل البري في وقت لاحق؟ حلب - المحامي عارف جاب