صرح مدرب النادي الافريقي رينيه اكسبريا اثر هزيمة فريقه في "دربي" تونس امام الترجي صفر-1 بان الحارس شكري الواعر هو اللاعب الذي احدث الفارق... واجمع جل الملاحظين على ان الواعر كان بطل المباراة من دون منازع واستطاع بخبرته ان يصد هجوم زملاء فوزي الرويسي وتوغلات رؤوف بو زيان، والاهم من ذلك حضوره الذهني والنفسي على الميدان وضبطه لايقاع علاقة متميزة مع الجمهور ما ساعد زملاءه على تخطي اقصاء قلب الدفاع خالد بدرة وكسب رهان الموسم بالفوز على الافريقي والتقدم بخطى ثابتة نحو التتويج في بطولة الدوري. وبلغة الارقام لم يستقبل الواعر في شباكه في الجولة السادسة من البطولة سوى هدف وحيد بعد الغاء هدف النجم الساحلي اثر اعتراض الترجي على اشراك لاعب اجنبي ثالث في مخالفة لقواعد المسابقة. ولا يزال التونسيون يحتفظون في ذاكرتهم باسطورة حارس النادي الافريقي ومنتخب تونس السابق الصادق ساسي الشهير ب "عتوقة" والذي اختير في استفتاء حول لاعبي القرن العرب مع طارق ذياب والمختار ذويب كافضل لاعبين من تونس على المستوى العربي. ورغم اعتزاله اللعب فان عتوقة لا يزال احد المراجع والمقاييس المهمة في تقييم مردود حراس المرمى في تونس، بل ان اليافعين ولاعبي "المحلات" في تونس يرددون اسم عتوقة عند تصدي احد الحراس لكرة في زاوية صعبة. وساهم عتوقة في انتصارات النادي الافريقي وسيطرته على الدوري في السبعينات، كما كانت له صولات وجولات على المستوى المغاربي وخصوصاً امام اندية المغرب والجزائر وعلى المستوى العربي امام منتخب مصر ولاعبه الفذ محمود الخطيب. ولعل ما تميزت به كرة القدم التونسية في التسعينات هو سيطرة الاندية على التتويجات والمسابقات الافريقية، في حين كان البعد العربي والمشاركات في الدورات العربية عنواناً في الثمانينات، ولئن كان عتوقة هو حارس تونس الاول في السبعينات وبداية الثمانينات، فان الواعر اسد باب سويقة استطاع ان يفتك عن جدارة بلقب افضل حارس تونسي في التسعينات. وافتتح في الايام الاخيرة في تونس مطعم من طراز سياحي رفيع "روبنسون" في زاوية ب"شارع مدريد". وعندما تنعطف على الشمال تجد مقهى مغلق كتب على يافطته "مقهى الصادق"، وكلا المحلين ملك للواعر. مطعم جديد ويعشق شكري الاستقلالية في التفكير واتخاذ القرار، ويسعى الى محبة الناس، ويحب المال من عرق الجبين، وبافتتاحه لهذا المطعم الجديد حيث يلتقي رجال الاعمال والكبار وتعقد الصفقات، يدشن شكري مرحلة جديدة في الحياة المهنية والاقتصادية للاعبي تونس. فبعد مرحلة الثمانينات وسيطرة مقاهي اللاعبين، فتح الواعر الطريق من اجل الانخراط في الطبقة الجديدة، طبقة المال والاعمال، وهو اذ يغلق مقهى الصادق فانه كذلك وبصفة رمزية يفتح ذاكرة التاريخ لكتابة اسطورة جديدة في حراسة المرمى في تونس اسمها شكري الواعر ليصبح عتوقة مجرد ذكرى جميلة. ولد شكري الواعر في 15 اب اغسطس 1966 في "حوسة" برج بورقيبة التي لا تبعد كثيراً عن محلة "باب سويقة"، ولم يعرف شكري منذ بداية الطريق سوى فريق الترجي الذي حصل معه على بطولة تونس اعوام 1988 و89 و91 و93 و94 و 98، كما رفع كؤوس تونس اعوام 1989 و91 و 97، وعلى المستوى العربي توج بكأس العرب للاندية الابطال 1993 والكأس العربية الممتازة 1996 والكأس الافرو - آسيوية 1995، وفي سجله تتويجات افريقية عدة: كأس افريقيا للاندية الابطال 1994 وكأس الكؤوس الافريقية 1998 وكأس الاتحاد الافريقي 1997. "يا شكري... يا شكري"... هذا الشعار يسمع كلما دخل الترجي الملعب الاولمبي في المنزه او اي ملعب آخر، وهو يعكس مدى العلاقة المتميزة بين هذا الحارس وجمهور الترجي... فالواعر اصبح رمزاً للترجي وصورة النادي في كل مكان حتى ان شركات الاستثمار تجمع بين صورته والترجي الرياضي. وبالرغم من الصعوبات في النطق، فان شكري رجل اعلام وعلاقات عامة من طراز رفيع، ويبدو ان علاقته المتميزة برئيس النادي سليم شيبوب ساهمت في دعم مكانته في اذهان زملائه وقلوب جمهور الاحمر والاصفر. والاهم من ذلك ان الواعر استطاع وبامتياز ان يكسب مقابلات هامة ومصيرية في تاريخ الترجي ومنتخب تونس، وان يصمد في اللحظات الحرجة ويكون خير سند لزملائه في الميدان. ذكرى حلوة... وذكرى موجعة ولعل خير دليل على ذلك تألق شكري في نهائيات كأس العالم 98، حيث كان اللاعب التونسي الوحيد الذي كسب الثقة في نفسه وتمكن من الحد من الاضرار الجسيمة التي لحقت بالمنتخب، بل ان الواعر وبشخصيته القيادية امتلك زمام المبادرة من المدرب السابق البولندي هنري كاسبرجاك واصبح المدرب الفعلي في المباراة الاخيرة للمنتخب في المونديال، وكان اختياره احسن حارس في الدور الاول لهذه النهائيات افضل ذكرى في سيرته الرياضية. ويعتقد شكري ان هذا التتويج وهذه المسيرة الناجحة في الترجي ومنتخب تونس ثمرة عمل ومثابرة، ولئن كان يعتقد ببركة والدته ودعائها، فان جرح غياب الزوجة لم يندمل بعد ولم يعوضه سوى اميرته الصغيرة. وبعد مسيرة 13 سنة يفكر شكري في الاعتزال في نهاية الموسم الحالي وقد حمل معه كل التتويجات الممكنة... فقط الاحتراف في اوروبا وتتويج افريقي مع منتخب تونس بقيا في خانة الامنيات الضائعة، وفي انتظار الحارس القادم الذي سيكتب الاسطورة الثالثة بعد عتوقة والواعر.