أبرز استطلاع للرأي في تونس ان العداء محمد القمودي هو رياضي القرن من دون منازع في القرن العشرين. والقمودي هو أول رياضي تونسي يرفع علم بلاده في المحافل الدولية، ويعزف السلام الوطني على شرفه، بإحرازه الميدالية الذهبي في سباق 5000 متر في دورة مكسيكو الاولمبية عام 1968. وفي الحقيقة، فإن تونس تفتقد الى مؤسسات لقياس اتجاهات الرأي العام، ولم تؤسس تقاليد لمعرفة توجهاته وآرائه. ومع ذلك فإن النخبة الرياضية والاعلامية أجمعت على اختيار القمودي كرياضي القرن، وهذا الاختيار يستند الى معيار مهم هو ان القمودي أصبح جزءاً من ذاكرة الرياضة في تونس وارتبط بالوجدان الشعبي في صورة البطل القومي. فأجيال الاستقلال ودولته الحديثة وشباب "العهد الجديد" يرددون دائماً في أحاديثهم: "هل تعتد انني القمودي"؟ للدلالة عن السرعة والعدو لمسافات طويلة. ولعل المفارقة في هذا الاختيار التونسي تكمن في علاقته بالاختيار العالمي الذي اعتبر محمد علي كلاي رياضي القرن، وبيليه لاعب كرة القدم للقرن العشرين، وقد قدم الثلاثة من الهامش في تعبيره الاجتماعي. فهم أبناء "الحتة" الحارة الفقيرة والاقلية الذين تجاوزا معوقات الطبقة الاجتماعية واللون، ليرسموا بطاقاتهم البدنية وامكاناتهم الذهنية اروع ملاحم البطولة. فالقمودي، الفتى الأسمر، قدم من محافظة سيدي بوزيد في وسط تونس، وبالتحديد من قرية قمودة النائية، التحق بالجيش التونسي في إحدى الرتب الصغيرة قبل أن يصبح ضابطاً سامياً بفضل انجازاته الرياضية. لذلك يتناقل التوانسة في حديثهم عن الاسطورة ان البطل القمودي قال للزعيم بورقيبة عند تكريمه: "لقد نوّرت تونس بكرعيبي يا سيادة الرئيس". ويفتخر القمودي اليوم بأنه انتاج رياضي للجيش التونسي الذي أسس تقاليد رياضية مهمة بالاضافة إلى مهامه الدفاعية والتنموية العادية. وتدرس نادية القمودي اليوم علوم الاعلام والاتصال، وهي تعشق ركوب الخيل، ونظراً لرشاقتها، فهي تشارك في أغلب عروض الأزياء والموضة. ونادية، ابنة البطل القومي، تعتقد بأن التاريخ لن يعيد نفسه، لذلك اختارت الفروسية، وهي اليوم إحدى بطلات تونس وتستعد جدياً للألعاب الأولمبية المقبلة في سيدني وابنة المركز العاصمة تونس وليس سيدي بوزيد. وقام الاتحاد الافريقي لكرة القدم أخيراً بتكريم الحارس الدول السابق لمنتخب تونس والنادي الافريقي الصادق ساسي "عتوقة" باعتباره أحد رياضيي القارة السمراء في القرن العشرين. وعتوقة الذي اعتزل اللعب في 1978 لا يزال اسمه يردد في الملاعب، فتنادي جماهير الترجي على حارسها الواعر "شكري يا عتوقة"، كما ان اليافعين في الحارات يتمثلون صورته في مبارياتهم الساخنة. ويحتفل النادي الافريقي هذا العام بعيده الثمانين، وهو يعيش أسوأ لحظات تاريخه، بعد نتائجه الهزيلة وخسارته كأس الكؤوس الافريقية. وقد ارتبط العصر الذهبي للافريقي بالحارس عتوقة، الذي لم يكن حارس مرمى ممتاز فقط، بل أسد في الشباك وقائد فريق متميز وموجه لزملائه على الميدان. عتوقة هو الوحيد الذي وقف سداً منيعاً أمام هجومات لاعبي الترجي، لاعبين من طراز رفيع مثل طارق ذياب وتميم الحزامي، والأهم من ذلك عتوقة هو الذي مكن تونس للمرة الأولى في تاريخها من الترشح لكأس العالم للأمم في الارجنتين عام 1978، تصدى لهجمات الخطيب من منتخب مصر، وحرم المغرب من الترشح اثر تصديه لركلة الجزاء التي نفذها اللاعب فراس. ومع ذلك، فإن مدرب منتخب تونس عبدالمجيد الشتالي، حرمه من اللعب في الأرجنتين، وبقيت تلك الحادثة محفورة في وجدان عتوقة وذاكرته. ويبدو أن هذا الترشح إلى الأرجنتين، والنتائج الطيبة لمنتخب تونس آنذاك لا تزال تعتبر أهم حدث رياضي في ذاكرة التوانسة، على رغم مرور أكثر من عقدين، ولذلك سميت لديهم ب"ملحمة الأرجنتين"، ويبدو ان هذا التعلق بهذا الحدث يعود إلى أنه أول ترشح تونسي لكأس العالم، والأهم من ذلك الروح الانتصارية العالية التي ميزت أداء المنتخب ووقوفه بندية في وجه منتخبات بولندا والمانيا، وانسحابه بمرارة بعد مظلمة تحكيمية. كما ان الأرجنتين وجيلها لم ترتبط بامكانات مادية كبيرة أو لاعبين "ديناصورات"... فأهم مكافأة تحصل عليها هؤلاء كانت 1500 دينار، وهي مرتب شهري للاعب في بداية الطريق اليوم. لقد أنجبت الأرجنتين طارق ذياب صاحب الكرة الذهبية الافريقية عام 1977 و"الجناح الطائر" تميم الحزامي، ولاعب الوسط الانيق نجيب غميض، وساحر الجيلين حمادي القعربي الذي يعتقد التوانسة بأنه فنان يجيد اللعب بالكرة. وكما بقي القمودي وعتوقة على لسان التوانسة، ومرجع في العطار والبذل، فإن مدن الأرجنتين مثل روزاريو، أطلقت على المقاهي والمطاعم التونسية... ولم يقع تغييرها إلى اليوم. ولعل السؤال الذي يطرح اليوم، عشية الألفية الجديدة: لماذا عجز التوانسة على خلق أبطال جدد على رغم توافر امكانات يحسدون عليها؟