تعتبر "قرية الفنون المغربية" اول تجمع لاصناف الصناعات التقليدية التي تشتهر بها مختلف المناطق والمدن المغربية، والتي تغني الزائر "المستعجل" او السائح عن البحث عن محلات الصناعة التقليدية، اذ يكفيه دخول "الولجة" للاطلاع على ما تختزنه مناطق المغرب من مصنوعات حرفية تقليدية، حديثة او اثرية. بين الرباطوسلا تستقر قرية الفنون المغربية على الضفة الشمالية لنهر ابي رقراق الذي يفصل بين المدينتين. يسميها المغاربة "الولجة" نظراً لولوج مياه النهر الاراضي التي كانت تتشكل منها عندما كانت خلاء تغمرها المياه. وكانت الضفة الشمالية لوادي ابي رقراق التي تدخل ضمن المجال الجغرافي لمدينة سلا خالية مهملة تنتشر في داخلها مجموعة من النباتات الطفيلية الموسمية. لكن مع بداية التسعينات شهدت ميلاد اكبر تجمع لصناعة الفخار والخزف تجاوزت شهرته الحدود المغربية، واصبحت معروضاته تشكل منافسا حقيقيا للمنتوجات الشرقية ذات الطابع التقليدي الاصيل سواء في موطنها الاصلي او في معارضها الدولية . عرض محمد البوكيلي، المشرف العام على المجمع، تفاصيل انشاء مشروع قرية الفنون المغربية ودواعي تركيزها على العمل الحرفي التقليدي ل "الحياة"، فقال ان ولادة المشروع لم تكن اعتباطية، وانما فرضتها معطيات مرتبطة بمسار وتاريخ الحرف التقليدية في المغرب، "حيث لمسنا تراجعا كبيرا في هذا القطاع لعوامل عدة، من ابرزها هجرة اليد العاملة الحرفية الى قطاعات منتجة اخرى، ما جعل مجموعة من الحرف التقليدية في البلاد مهددة بالانقراض". واوضح ان الهدف الاساسي من احداث قرية الفنون المغربية التقليدية يركز على "رد الاعتبار الى المنتوج التقليدي المغربي الذي تتفرد به عدد من المناطق المغربية". واعتبر ان التراث الذي تختزنه قرية الفنون المغربية، سواء من الناحية التاريخية او الثقافية "لا يقل اهمية عن باقي الفنون الادبية". تقع قرية الفنون المغربية المصممة على النمط المعماري المغربي الاصيل على مساحة تناهز 36 الف متر مربع. وتتوزع الى 12 رواق يحتفظ كل منها بنسق هندسي معين، لكن ترتبط جميعها بالزخرفة المغربية التقليدية. وارضيتها من الزليج والرخام تحيط بها منحوتات خشبية تزين كل رواق. واجمل ما يلفت في قرية الفنون المغربية التقليدية هو استحضار أروقتها لمراحل مميزة من تاريخ المغرب، فتمر خلال جولتك في اروقة الادارسة والمرابطين والموحدين والسعديين والمرينين...يطلعك كل منها على ما زخرت به تلك الفترة من تاريخ المغرب خلال حكم تلك الدول، ومدى ازدهار فنون الصناعة التقليدية التي اخذت بعدا فنيا اسس حضوره في عدد من البلدان التي كانت تربطها علاقات خاصة بالمغرب . وتتفاوت مساحة كل رواق مابين 50 و 100 متر مربع تعج بالمنتوجات التقليدية المغربية التي صنفت بشكل ينجح في استقطاب أعين الزوار. وما بين التقليدي الاصيل والتقليدي المعاصر، تحتار افواج السياح التي تزور المنطقة في اختيار الهدايا المناسبة وذكريات يحملونها من المغرب . وتختلف المنتوجات المعروضة من صناعات خزفية وفخارية الى السجاد البربري والعربي والحلي التي ترحل بك الى اعماق تراث مناطق الاطلس والجنوب المغربي، اضافة الى المنتوجات التي تدخل في الديكور والمستخلصة اساسا من معدن الحديد الممزوج بالزجاج أو قطع خشبية أبدعت انامل حرفيي النجارة في نحتها . ولضمان استمرارية تدفق السياح على قرية الفنون المغربية، عمدت ادارتها الى اسلوب مغاير لما هو سائد في التعامل مع الزوار، بمنحهم الحرية الكاملة في الاختيار دون ضغوط المرشدين السياحيين الذين يفسدون على السائح احيانا متعة الجولة بدفعه الى منتوج معين او محاولة استمالته الى بضاعة اخرى. وحسمت الادارة مشكلة اخرى بتحديد ثمن كل قطعة تقليدية ولصقها على ظهر المنتوج. يقول محمد البوكيلي ان "من القضايا التي اضرت كثيرا بالقطاع السياحي في المغرب محاولة عدد من وكلاء المحلات التجارية استغلال السائح الاجنبي، ما افرز واقعاً اثّر على النشاط السياحي في البلاد، وانعكس سلباً على الانتاج التقليدي، ما دفعنا الى التفكير في سبل خلق اجواء من الثقة لدى السياح الذين تستضيفهم القرية بتحديد اثمان المنتوجات لوقف اي محاولات للتلاعب". يشكل السياح الاجانب60 في المئة من زوار القرية، فضلا عن الزيارات الرسمية التي تقوم بها الوفود الديبلوماسية التي تحل في المغرب . واكثر ما يجذب السياح في القرية امكان اطلاعهم المباشر على تفاصيل عمليات صناعة المنتوجات التقليدية التي تعج بها اروقتها. ويشتغل في معمل القرية الحرفي الذي يمتد على 60 الف متر مربع ما يزيد عن 180 عامل حرفي تقليدي، ينتجون 40 الف قطعة. لكن هذا العدد يبقى دون مستوى سوق الطلب، ما يضطر العاملين في القرية الى الاستعانة بمنتوجات بعض المدن المغربية امثال اسفي والصويرة ومراكش وفاس. ويوضح البوكيلي: "حاولنا في بداية العقد الجاري خلق نوع من التوازن بين العرض والطلب معتمدين على ماتوفره ورشات الحرفيين من منتوجات. لكن ارتفاع الطلب وتصدير منتوجاتنا الى بلدان عدة حال دون استمرار هذا التوازن". وادى ارتفاع الطلب على المعروضات التقليدية الى احداث مجمع لصناعة الخزف، وورشات للحرف التقليدية، خصوصا مع التوسع الذي عرفته القرية . وتعتمد الورشات الحرفية داخل القرية على مواد خام مغربية، لكنها تستورد احيانا مواداً خام من بعض الدول الاجنبية خصوصاً "الطين الابيض" من ايطاليا، ومشتقات الصباغة التي تشكل مادة رئيسية لصناعة عدد من المنتوجات التقليدية. ولاتبدو ادارة القرية المغربية قلقة بشأن مستقبل انتاجها في ظل المنافسة الشرسة التي يطرحها المنتوج الشرقي . ويقول محمد البوكيلي ان "ارتباط الصانع التقليدي المغربي بخصوصيته واعتماده الكلي على اسلوبه البسيط وعدم محاولته ادخال نماذج جديدة محدثة، حافظ على مغربية المنتوجات التقليدية، واهلّها للعرض في محلات تجارية عالمية، في الولاياتالمتحدة واميركا اللاتينية، وفي الاسواق الاوروبية والعربية. ويمكن القول ان صمود منتوجنا امام منتوجات الضفة الشمالية للبحر الابيض المتوسط يرجع اساسا الى الحفاظ على خصوصيته وتنوعه". وتحاول قرية الفنون التقليدية المغربية خلق قنوات داخلية للتواصل مع ورشات تقليدية عدة في المغرب ضمن خطة ترمي الى اعادة تنشيط حرف مهنية تقليدية اصابها الشلل مثل صناعة "الحنبل"، وهو عبارة عن سجاد تقليدي كان يفترشه المغاربة في الارياف حتى وقت قريب، و"النحت على الحديد" وغيرهما من الحرف التقليدية...